فرهاذ من عند كسرى وشرع في قطع الجبل، ورسم فيه دربا يتسع لعشرين فارسا عرضا، وسمكه أعلى من الرايات والأعلام، فكان يقطع طول نهاره وينقل طول ليله، ويرصف القطاع الكبار شبه الأعدال في سفح الجبل ترصيفا حسنا يحشو خللها بالنحاتة، ويسوّيها مع الطريق. وكان ينحت من الجبل شبه منارة عظيمة ثمّ يقطعها قطعا كلّ قطعة كعدل ويرميها، ولقد رأيت عند اجتيازي به شبه منارة فتح جوانبها وما قطعها بعد، ورأيت قطعا من الحجر كالأعدال عليها آثار ضرب الفأس، وفي كلّ قطعة حفرتان في جانبيها، ليجعل اليد فيها عند رفعها. فذكر يوما عند كسرى شدّة اهتمامه بقطع الجبل، فقال بعض الحاضرين: رأيته يرمي بكلّ ضربة شبه جبل، ولو بقي على ما هو عليه لا يبعد أن يفتح الطريق. فانفرق كسرى فقال بعضهم: أنا أكفيك أمره! فبعث إليه من أخبره بموت شيرين. فلمّا سمع ذلك ضرب فأسه على الحجر وأثبته فيه، ثمّ جعل يضرب رأسه على الفأس إلى أن مات. ومقدار فتحه من الجبل غلوة سهم، وتلك الآثار باقية إلى الآن لا ريب فيها.
وقال أحمد بن محمّد الهمذاني: في سفح جبل بيستون إيوان منحوت من الحجر، وفي وسط الإيوان صورة فرس كسرى شبديز وابرويز راكب عليه، وعلى حيطان الإيوان صورة شيرين ومواليها؛ قيل: صوّرها فطرس بن سنمّار، وسنمّار هو الذي بنى الخورنق بظاهر الحيرة، وسببه أن شبديز كان أذكى الدواب وأعظمها خلقا وأظهرها خلقا، وأصبرها على طول الركض، كان لا يبول ولا يروث ما دام عليه سرجه، ولا يخرّ ولا يزبد ما دام عليه لجامه.
كان ملك الهند أهداه إلى ابرويز، فاتّفق أنّه اشتكى وزاد شكواه فقال كسرى:
من أخبرني بموته قتلته! فلمّا مات خاف صاحب خيله أن يسأل عنه فيجب عليه الخبر بموته، فجاء إلى البلهبد مغنيه وسأله أن يخبر كسرى ذلك في شيء من الغناء، وكان البلهبد أحذق الناس بالغناء ففعل ذلك. فلمّا سمع كسرى به فطن بمعناه وقال: ويحك! مات شبديز؟ فقال: الملك يقوله! فقال كسرى: زه! ما