أحسن ما تخلّصت وخلّصت غيرك! وجزع عليه فطرس بن سنمّار فصوّره على أحسن مثال، بحيث لا يكاد يفرق بينهما إلّا بإدارات الروح، وجاء كسرى فتأمّله باكيا وقال: يشدّ ما بقي هذا التمثال إلينا، وذكرنا ما يصير حالنا إليه بموت جسدنا وطموس صورتنا، ودروس أثرنا الذي لا بدّ منه، وسيبقى هذا التمثال أثرا من جمال صورتنا للواقفين عليه حتى كأنّنا بعضهم ونشاهدهم.
وحكي من عجائب هذا التمثال انّه لم ير مثله، ولم يقف أحد منذ صوّر من أهل الفكر اللطيف والنظر الدقيق عليه إلّا تعجّب منه، حتى قال بعض الناس:
انّها ليست من صنعة البشر! ولقد أعطي ذاك المصوّر ما لم يعط غيره، فأيّ شيء أعجب من أن سخّرت له الحجار كما أراد، حتى في الموضع الذي أراد أحمر جاء أحمر، وفي الموضع الذي أراد أبيض جاء أبيض، وكذلك سائر الألوان، والظاهر أن الأصباغ التي فيه عالجها بصنف من المعالجات العجيبة لم يغيّرها طول الليالي، وصوّر الفرس واقفا في وسط الإيوان، وكسرى راكب عليه لابس درعا كأنّه زرد به من حديد، يتبيّن مسامير الزرد في حلقها، وصوّر شيرين بحيث يظهر الحسن والملاحة في وجهها كأنّها تسلب القلوب بغنجها. وسمعت أن بعض الناس عشق على صورة شيرين، وصار من عشقها متيّما، فكسروا أنفها لئلا يعشق عليها غيره. وذكر قصة شبديز خالد الفيّاض فقال:
والملك كسرى شهنشاه يقبضه … سهم بريش جناح الموت مقطوب
إذ كان لذّته شبديز يركبه … وغنج شيرين والدّيباج والطيّب
بالنّار آلى يمينا شدّ ما غلظت … ان من يد أفعى الشبديز مصلوب
حتى إذا أصبح الشّبديز منجدلا … وكان ما مثله في الناس مركوب
ناحت عليه من الأوتار أربعة … بالفارسيّة نوحا فيه تطريب
ورنّم الهربد الأوتار فالتهبت … من سحر راحته اليسرى شآبيب