واستقامة الطبع، ومعرفة وزن الشعر وعلم الغناء، وذلك يترشح منهم حتى من نسائهم وصبيانهم، وكلّهم على مذهب الشافعي، ما فيها واحد يخالفهم إلّا الغريب.
وبها رباطات ومدارس ومارستانات والطاق الذي على باب الجامع، وهو طاق عال جدّا مثل طاق كسرى، على طرفيه منارتان في غاية العلوّ ليس في شيء من البلاد مثله. وفي وسط الجامع خزانة الكتب المنسوبة إلى الوزير أبي طاهر الخاتوني، فيها كلّ كتاب معتبر كان في زمانه مع أشياء نادرة من الخطوط المنسوبة والاصطرلابات والكرات.
ومن عجائبها أن الترنجبين يقع في كلّ ثلاثين سنة بأرضها على الشوك الذي يختصّ به، ويكثر حتى يجمع ويبتاع على الناس منه شيء كثير، وأنا شاهدت ذلك مرّة.
وينسب إليها القاضي عمر بن سهلان. كان أديبا فقيها حكيما خصّه اللّه تعالى بلطافة الطبع وفطانة الذهن، وفصاحة الكلام ومتانة البيان. جميع تصانيفه حسن، وكان معاصر الإمام حجّة الاسلام الغزالي.
ومن عجائب ما حكي من لطف اللّه تعالى في حقّه انّه قال: أردت الاشتغال بالعلوم وما كان لي مال ولم يبن في ذلك الوقت شيء من المدارس، وكان له خطّ في غاية الحسن، قال: كتبت ثلاث نسخ من كتاب الشفاء لأبي علي بن سينا، وكان إذ ذاك للشفاء رواج عظيم، بعت كلّ نسخة بمائة دينار وأودعت ثمنها ثلاثمائة دينار عند بزّاز صديق لي. وكلّما احتجت أخذت منها وأنفقت حتى غلب علي ظني اني استوفيتها، فانقطعت عنه، فرآني الرجل وقال: ما لي أراك تأخرت عن طلب النفقة؟ قلت: لأني استوفيتها! قال: لا، بعد أكثره باق! فكنت أمشي إليه بعد ذلك مرّة أخرى ثمّ انقطعت لمّا علمت اني استوفيت أكثر من مالي، فرآني وقال: ما سبب انقطاعك؟ قلت: جزاك اللّه عني خيرا! اني استوفيت أكثر من مالي! فقال: لا تنقطع فإنّه قد بقي منها بعد كثير!