فكنت أمشي مرّة أخرى مستحيا ثمّ انقطعت بالكلية، فرآني الرجل وسأل ان لا أنقطع فامتنعت، فلمّا أيس عن ذلك أخرج من كمّه ثلاثمائة دينار وقال:
هذا رأس مالك والذي أخذته مكسبها، لأني كنت أتجر لك عليها، وللّه تعالى الحمد إذ وفّقني لبعض قضاء حاجة مثلك.
وينسب إليها القاضي عدّة. كان واعظا ظريفا حلو الكلام يرى الملوك له.
حكي انّه كان يعقد مجلس الوعظ بهمذان، وينفي التشبيه والقوم لم يقدروا عليه لمكانته عند السلطان، فكانوا يكتبون إليه رقاعا ويشتمونه فيها في نفسه وأهله وأولاده، وهو يقول: قد كتبوا كيت وكيت وهذا ممكن، لكن وجود الإله على العرش محال!
وحكي أن بعض الملوك أراد رسولا يبعثه إلى ملك آخر، فعيّنوا على القاضي عدّة فقالوا: انّه جيّد لكنّه يفسد الرسالة بطلب المال! فقال: حلّفوه أن لا يطلب شيئا! فحلفوه وبعثوه، فلمّا ذهب إليهم صبر أيّاما لم يبعث إليه أحد شيئا غير المرسل إليه، فعقد مجلسا وقال: يا قوم، إن مرسلي حلّفني أن لا أطلب من أحد شيئا، فقولوا أنتم من حلّفكم أن لا تبعثوا إليّ شيئا؟ وله حكايات عجيبة من هذا الجنس، وبهذا مقنع.
وينسب إليها التاج محمّد الواعظ المعروف بشجويه. كان واعظا فقيها حلو الكلام عذب اللهجة، ذا قبول عند الخواص والعوام، وكان وعظه معائب طبقات الناس، فإذا حضر ملك يقول: أيّها الملك، ماذا تقول في عبد لبعض الملوك، اصطفاه سيّده في حال هوانه وأفاض إليه أنواع إحسانه، وفوّض إليه أمر البلاد وجعل بيده أزمّة العباد، ثمّ ان هذا العبد خرّب بلاده وقهر بالظلم عباده، وخالف أمر سيّده وعصى وتجاوز عن حدّه واعتدى، فهل يستحقّ هذا العبد من سيّده إلّا العذاب العظيم والعقاب الأليم؟ ثمّ قال: أنت ذلك العبد أيّها الملك، إن اللّه اصطفاك على العباد وجعل بيدك أمر البلاد، وأمرك بالعدل والإحسان ونهاك عن الظلم والطغيان، وأنت نهارك مصروف في غصب