قال ابن الفقيه: أوّل من استحدث قزوين شابور ذو الأكتاف، وبناء شابور في زماننا هذا يسمّى شهرستان. فلمّا اجتاز الرشيد بأرض الجبال قاصدا خراسان اعترضه أهل قزوين، وأخبروه بمكانهم من أرض الديلم، فسار إلى قزوين وبنى سور المدينة العظمى وجامعها سنة أربع وخمسين ومائتين. وأوّل من فتحها البراء ابن عازب الأنصاري، وقد وقع النفير وقت كان الرشيد بها، فرأى أهلها أغلقوا حوانيتهم وأخذوا أسلحتهم وخرجوا إلى وجه العدوّ مسرعين، فأشفق عليهم وبنى لهم السور، وحطّ عنهم خراجهم جاعلا إيّاه عشرة آلاف دينار في كلّ سنة، وقد ورد في فضائل قزوين أحاديث كثيرة تتضمّن الحثّ على المقام بها لكونها ثغرا.
منها ما رواه عليّ بن أبي طالب، ﵇، عن رسول اللّه،ﷺ: عليكم بالإسكندريّة أو بقزوين فإنّهما ستفتحان على يد أمّتي، وإنّهما بابان من أبواب الجنّة، من رابط فيهما أو في إحداهما ليلة خرج عن ذنوبه كيوم ولدته أمّه! وعن سعيد بن المسيّب مرفوعا عن رسول اللّه،ﷺ: سادات الشهداء شهداء قزوين! وأمثال هذه كثيرة.
وبين قزوين وبين الديلم جبل كان ملوك الفرس يجعلون عليه رابطة إذا لم يكن بينهم هدنة، وذلك الجبل هو الحاجز بين القزاونة والإسماعيليّة، أحد جانبيه لهؤلاء والجانب الآخر لهؤلاء.
وبها مواضع يرجى فيها إجابة الدعاء، منها مسجد شالكان ومسجد شهرستانك ومسجد دهك ومسجد باب المشبّك الملصق بالسور، فإنّها مواضع يأتيها الابدال.
ومن عجائبها مقصورة الجامع التي بناها الأمير الزاهد خمارتاش، مولى عماد الدولة صاحب قزوين، فإن قبّتها في غاية الارتفاع على شكل بطيخ، ليس مثلها في بلاد الإسلام ولا في بلاد الكفر أكبر منها، ولا أحسن عمارة. وحكي أن الصّنّاع لمّا رفعوا قواعدها وأرادوا انضمام رأسها عجزوا عن ذلك لفرط سعتها وعمقها فلم يكن شيء من الأجذاع والسلاليم يفي بها، فوقفت العمارة حتى مرّ بها صبيّ وقال: لو ملؤوها تبنا يمكنهم إتمامها! فتعجّب الصنّاع من حذقه