هذا كتاب اللّه يحكم بيننا … ليس الشّهيد كغيره، لا تكذبوا
حكي عنه قال: خرجت للغزوة، فلمّا تراءت الفتيان خرج من صفّ الترك فارس يدعو إلى البراز، فخرجت إليه فإذا قد دخل وقت الصلاة، قلت له: تنحّ عني حتى أصلّي ثمّ افرغ لك! فتنحّى فصلّيت ركعتين وذهبت إليه فقال لي:
تنحّ عني حتى أصلّي أنا أيضا! فتنحّيت عنه، فجعل يصلّي للشمس، فلمّا خرّ ساجدا هممت أن أغدر به فإذا قائل يقول: أوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا. فتركت الغدر. فلمّا فرغ من صلاته قال لي: لم تحرّكت؟ قلت:
أردت أن أغدر بك! فقال: لم تركته؟ قلت: لأني أمرت بتركه. قال: الذي أمرك بترك الغدر أمرني بالإيمان. وآمن والتحق بصفّ المسلمين.
وحكى الحسن بن الربيع انّه خرج ذات سنة مع جيوش المسلمين إلى الغزوة، فلمّا تقاتل الصفّان خرج من صفّ الكفّار فارس يطلب القرن، فذهب إليه فارس من المسلمين، فما أمهل المسلم حتى قتله! فخرج إليه آخر فما أمهله حتى قتله، ثمّ آخر فما أمهله، فأحجم الناس عن مبادرته ودخل المسلمين منه حزن.
فإذا فارس خرج إليه من صفّ المسلمين وجال معه زمانا ثمّ رماه وحز رأسه، فكبّر المسلمون وفرحوا ولم يكن يعرفه أحد، فعاد إلى مكانه ودخل في غمار الناس! قال الحسن: فبذلت جهدي حتى دنوت منه وحلفته أن يرفع لثامه، فإذا هو عبد اللّه بن المبارك، فقلت له: يا إمام المسلمين كيف أخفيت نفسك مع هذا الفتح الذي يسر اللّه على يدك؟ فقال: الذي فعلت له لا يخفى عليه.
وحكي أن عبد اللّه بن المبارك عاد من مرو إلى الشام لعلم رآه معه بمرو صاحبه بالشام. ورئي سفيان الثوري في المنام بعد موته فقيل له: ما فعل اللّه بك؟ قال:
رحمني! فقيل: ما حال عبد اللّه بن المبارك؟ قال: هو ممّن يدخل على ربّه كلّ يوم مرّتين. ولد سنة مائة وعشرين، وتوفي سنة مائة وإحدى وثمانين.