على الناس ويصيد ما ظهر له، فانتهى به المسير إلى موضع ذكر أهله أن لا مسير له بعده، وكان عندهم جبل تطلع الشمس من ورائه، وتحرق كلّ شيء وقعت عليه، وكان سكّانها في الأسراب تحت الأرض والغيران في الجبال بالنهار. وأمّا الوحش فتلتقط حصى هناك قد ألهمها اللّه تعالى معرفتها، فتأخذ كلّ وحشيّة حصاة في فيها وترفع رأسها إلى السماء، فتظلّها غمامة عند ذلك تحجب بينها وبين الشمس، قال: فقصد أصحاب جدّي حتى عرفوا ذلك الحجر، فحملوا منه معهم ما قدروا إلى بلادنا، فهو معهم إلى الآن. فإذا أرادوا المطر حركوا منه شيئا فينشأ الغيم ويوافي المطر، وإن أرادوا الثلج زادوا في تحريكها فيوافيهم الثلج والبرد؛ فهذه قصّة المطر والحجر، وليس ذلك من حيلة الترك بل من قدرة اللّه تعالى!
وحكى إسماعيل بن أحمد الساماني، وكان ملكا عادلا غازيا، قال:
غزوت الترك ذات مرّة في عشرين ألف فارس من المسلمين، فخرج عليّ منهم ستّون ألفا في السلاح الشاك، فواقعتهم أيّاما، وإني ليوما في قتالهم إذ جاءني قوم من مماليكي الأتراك وقالوا: إن لنا في معسكر الكفّار قرابات، وقد أنذرونا بموافاة فلان وأنّه ينشئ السحاب والمطر والثلج والبرد، وقد عزم أن يمطر علينا غدا بردا عظيما لا يصيب الإنسان ألّا يقتله، فانتهرتهم وقلت:
هل يستطيع هذا أحد من البشر؟
فلمّا كان الغد وارتفع النهار نشأت سحابة عظيمة من جبل كنت مستندا إليه بعسكري، ولم تزل تتنشّر حتى أظلّت عسكري، فهالني سوادها وما رأيت فيها من الهول، وما سمعت من الأصوات المزعجة، فعلمت أنّها فتنة، فنزلت عن دابّتي وصلّيت ركعتين والعسكر يموج بعضهم في بعض، ثمّ دعوت اللّه تعالى معفّرا وجهي بالتراب وقلت: اللهم أغثنا فإن عبادك يضعفون عن محنتك! وإني أعلم أن القدرة لك، وان النفع والضرّ لا يملكهما إلّا أنت! اللهم إن هذه السحابة إن أمطرت علينا كانت فتنة للمؤمنين وسطوة للمشركين، فاصرف عنّا