رؤوسا دنا أوان حصادها، وأنا الذي أحصدها. فدخل القوم منه رعب، فما زال بهم حتى أراهم الكواكب بالنهار.
ولمّا بنى واسط عدّ في حبسه ثلاثة وثلاثون ألف إنسان، حبسوا بلا دم ولا تبعة ولا دين، ومات في حبسه واحد وعشرون ألفا صبرا، ومن قتله بالسيف فلا يعدّ ولا يحصى! وقال يوما على المنبر في خطبته: أتطلبون مني عدلّ عمر ولستم كرعية عمر؟ وإنّما مثلي لمثلكم كثير، لبئس المولى ولبئس العشير! وكان في مرض موته يقول:
يا ربّ قد زعم الأعداء واجتهدوا … أيمانهم أنّني من ساكني النّار
أيحلفون على عمياء؟ ويحهم … ما علمهم بعظيم العفو غفّار؟
وحكى عمر بن عبد العزيز أنّه رأى الحجّاج في المنام بعد مدّة من موته، قال:
فرأيته على شكل رماد على وجه الأرض، فقلت له: أحجّاج؟ قال: نعم، قلت: ما فعل اللّه بك؟ قال: قتلني بكلّ من قتلته مرّة مرّة، وبسعيد بن جبير سبعين مرّة، وأنا أرجو ما يرجوه الموحّدون!
وينسب إلى الطائف سعيد بن السائب، كان من أولياء اللّه وعباد اللّه الصالحين، نادر الوقت عديم النظير، وكان الغالب عليه الخوف من اللّه تعالى لا يزال دمعه جاريا، فعاتبه رجل على كثرة بكائه فقال له: إنّما ينبغي أن تعاتبني على تقصيري وتفريطي لا على بكائي!
وقال له صديق له: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت أنتظر الموت على غير عدة! وقال سفيان الثوري: جلسنا يوما لحدّث ومعنا سعيد بن السائب، وكان يبكي حتى رحمه الحاضرون، فقلت له: يا سعيد لم تبكي وأنت تسمع حديث أهل الخير؟ فقال: يا سفيان ما ينفعني إذا ذكرت أهل الخير وأنا عنهم بمعزل؟