وصحبه وسلم إزاره وجعل ينقل معهم وكانوا ينقلون بأنفسهم تبررا وتبركًا بالكعبة. فلما اجتمع لهم ما يريدون من الحجارة والخشب وما يحتاجون إليه عدوا على هدمها فخرجت الحية التي كانت في بطنها تحرسها سوداء الظهر، بيضاء البطن، رأسها مثل رأس الجدي، تمنعهم كلما أرادوا هدمها، فلما رأوا ذلك اعتزلوا عند مقام إبراهيم وهو يومئذ بمكانه الذي هو فيه اليوم فقال لهم الوليد بن المغيرة: يا قوم ألستم تريدون بهدمها الإصلاح؟ قالوا: بلي قال: فإن الله لا يهلك المصلحين ولكن لا تدخلوا في عمارة بيت ربكم إلا من طيب أموالكم ولا تدخلوا فيه مالًا من ربا , ولا مالًا من ميسر، ولا مهر بغي، وجنبوه الخبيث من أموالكم فإن الله لا يقبل إلا طيبًا ففعلوا ثم وقفوا عند المقام فقاموا يدعون ربهم ويقولون: اللَّهم إن كان لك في هدمها رضًا فأتمه واشغل عنا هذا الثعبان فأقبل طائر من جو السماء كهيئة العقاب ظهره أسود، وبطنه أبيض، ورجلاه صفراوان والحية على جدر البيت فاغرة فاها فأخذ برأسها ثم طار بها حتى أدخلها أجياد الصغير فقالت قريش: انا لنرجوا أن يكون الله سبحانه وتعالي قد رضي عملكم وقبل نفقتكم فاهدموه، فهابت قريش هدمه وقالوا: من يبدأ فيهدمه؟ فقال الوليد بن المغيرة: أنا أبدؤكم في هدمه، أنا شيخ كبير فإن أصابني أمر كان قد دنا أجلي وإن كان غير ذلك لم يرزأني فعلا البيت وفي يده عتلة يهدم بها فتزعزع من تحت رجله حجر فقال: اللَّهم لم ترع؟ إنما أردنا الإصلاح وجعل يهدمه حجرًا حجرًا بالعتلة فهدم يومه ذلك فقالت قريش: إنا نخاف أن ينزل به العذاب إذا أمسى. فلما أمسى، لم تر بأسًا فأصبح الوليد بن المغيرة غاديًا على عمله فهدمت قريش معه حتى بلغوا الأساس الأول الذي رفع عليه إبراهيم وإسماعيل القواعد من البيت فأبصروا حجارة كأنها الإبل الخلف لا يطيق الحجر منها ثلاثون رجلًا، يحرك الحجر منها فترتج جوانبها، قد تشبك بعضها ببعض فأدخل الوليد بن المغيرة عتلته بين الحجرين فانفلقت منه فلقة عظيمة فأخذها أبو وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم فنزت من يده حتى عادت في مكانها وطارت من تحتها برقة كادت أن تخطف أبصارهم ورجفت مكة بأسرها فلما رأوا ذلك امسكوا عن أن ينظروا ما تحت ذلك فلما جمعوا ما اخرجوا من النفقة قلت النفقة عن أن تبلغ لهم عمارة البيت كله فتشاوروا في ذلك فأجمع رأيهم على أن يقصروا عن القواعد ويحجروا ما يقدرون عليه من بناء البيت ويتركوا بقيته في الحِجْر عليه جدار مدار يطوف الناس من ورائه ففعلوا ذلك وبنوا في بطن الكعبة أساسًا يبنون عليه من