للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وابن العذراء البتول. فخفض النجاشي يده إلى الأرض، فأخذ عودًا وقال: والله ما زاد على ذلك قدر هذا العود. فقال عظماء الحبشة: والله لئن سمعت الحبشة بهذا لتخلعنَّك. فقال النجاشي: والله لا أقول في ابن مريم غير هذا القول أبدًا، وإن الله لم يطع في الناس حين ردّ إلي ملكي، فأنا أطيع الناس في الله؟ معاذ الله من ذلك، ارجعوا إلى هذا هديته، فوالله لو رشوني دبرًا من ذهبٍ ما قبلته. والدبر: الجبل، قال الهروي: لا أدرى عربيٌّ أم لا. ثم قال: من نظر إلى هؤلاء الرهط نظرة يؤذيهم بها فقد غرم. ومعنى غرم هلك، وفي قوله تعالى: {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا}. فخرج عمرو بن العاص وابن أبي ربيعة.

وسمع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ببعث قريش عمرو بن العاص إلى النجاشي، فبعث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عمرو بن أمية الضَّمري وكتب معه إلى النجاشي، فقدم على النجاشي، فقرأ كتاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ثم دعا جعفر بن أبي طالب والمهاجرين، وأرسل إلى الرهبان والقسيسين فجمعهم ثم أمر جعفر يقرأ عليهم القرآن فقرأ سورة مريم (كهيعص)، وقاموا تفيض أعينهم من الدمع، فهم الذين أنزل الله فيهم: {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى} وقرأ عليهم إلى: {الشَّاهِدِينَ} (١).

قال ابن إسحاق: قال الزهري: فحدثت عروة بن الزبير حديث أبي بكر بن عبد الرحمن عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فقال: هل تدرى ما قوله: ما أخذ الله مني الرشوة حين ردّ عليَّ ملكي فآخذ الرشوة فيه، وما أطاع الناس في فأطيع الناس فيه؟ قال: قلت: لا، قال: فإنّ عائشة أم المؤمنين حدَّثتني أنَّ أباه كان ملك قومه، ولم يكن له ولدٌ إلَّا النجاشي، وكان للنجاشي عمَّ له من صلبه اثنا عشر رجلًا، وكانوا أهل بيت مملكة الحبشة، فقالت الحبشة بينها: لو أنَّا قتلنا أبا النجاشي وملّكنا أخاه، فإنه لا ولد له غير هذا الغلام، وإن لأخيه من صلبه اثنتي عشر رجلًا فتوارثوا ملكه من بعده؛ بقيت الحبشة بعده دهرًا، فعدوا على أبي النجاشي فقتلوه، وملكوا أخاه؛


(١) الدرر لابن عبد البر ١٣٥.

<<  <   >  >>