قال: فارتعت من ذلك روعا شديدا فلما رجعت إلى نفسي قلت:
يا أيها الهاتف ما تقول ... أرشد عندك أم تضليل
بين لنا هديت ما العويل
فقال:
هذا رسول الله ذو الخيرات ... يدعو إلى الخيرات والنجاة
يأمر بالصوم وبالصلاة ... ويزع الناس عن الهنات
قال: فاتبعني راحلتي وقلت:
أرشدني رشدا بها هديتا ... لا جعت يا هذا ولا عريتا
ولا صحبت صاحبا مقيتا ... لا يثوين الخير إن ثويتا
قال: فاتبعني وهو يقول:
صاحبك الله وسلم نفسكا ... وبلغ الأهل وسلم رحلكا
آمن به أفلح ربي حقكا ... وانصر نبيًا عز ربي نصركا
قال: فدخلت المدينة فطلعت في المسجد، فخرج إلي أبو بكر فقال: ادخل رحمك الله فقد بلغنا إسلامك، فقلت: لا أحسن الطهور، فعُلِّمت، ودخلت المسجد، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر كأنه البدر وهو يقول:"ما من مسلم توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى صلاة يعقلها ويحفظها إلا دخل الجنة". فقال عمر: لتأتيني على هذا بينة أو لأنكلن بك، قال: فشهد له شيوخ قريش عثمان بن عفان، فأجاز شهادته. (١)
قال ابن إسحاق: وحدثني بعض أهل العلم أن امرأة من بني سهم، يقال لها الغيطلة كانت كاهنة في الجاهلية، فلما جاءها صاحبها في ليلة من الليالي فأنقض تحتها ثم قال: أدر ما أدر، يوم عقر ونحر، قالت قريش -حين بلغها ذلك-: ما يريد؟ ثم جاءها ليلة أخرى، فأنقض تحتها، ثم قال: شعوب ما شعوب، تصرع فيه كعب لجنوب، فلما بلغ ذلك قريشا قالوا: ماذا يريد؟ إن هذا لأمر هو كائن، فانظروا ما هو؟ فما عرفوه حتى كانت وقعة بدر وأحد بالشعب؛ فعرفوا أنه الذي كان جاء به إلى صاحبته.