للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ (١)} , وقوله {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا (٢)} , ومن القواعد المعروفة عند الفقهاء {أن المشقة تجلب التيسير}.

وهذا التيسير سر من أسرار عظمة هذه الشريعة, فإن الناظر في التخفيفات الواردة في الشرع يرى أنها لا تخرج عن نوعين اثنين:

الأول: نوع شرع من أصله للتيسر, وهو عموم التكاليف الشرعية في الأحوال العادية.

الثاني: نوع من شرع لما يجدّ من الأعذار والعوارض, وهو المسمى بالرخص, وهو المقصود هنا.

فأما النوع الأول فإنه بأدنى تأمل يبدو جلياً أن هذا الدين كله بتكاليفه وعباداته وتشريعاته ملحوظ فيه فطرة الإنسان وطاقته, فالتكاليف الشرعية يسيرة لا عسر فيها, سمحة لا تكلف فيها, سهلة لا تعقيد فيها, أنها لا تمثل قيوداً وأغلالاً في عنق الإنسان, وترهق كاهله, وهو كذلك " أي العبد " لا يمثل في ظل التزامه بها عبداً مسترقاً مسلوب الإرادة والاختيار, كما يخيل لبعض المستشرقين ومن على شاكلتهم ممن في قلوبهم إحَنٌ ودخن, فيكتبون عن الإسلام بروح التعصب, وعقلية المتحامل ويتكلمون بما لا يعلمون, ويهرفون بما لا يعرفون, يدفعهم التحامل والتعصب, ومقت الإسلام وأهله, إلى جانب جهلهم بمبادئ الإسلام وتشريعاته السمحة الندية, إنهم ومن لفّ لفهم يجهلون أن الأحكام الشرعية في حقيقتها توجيه وتشريف أكثر منها قيوداً وحدوداً, وأن التكاليف الربانية أمر ينسجم مع طبيعة الإنسان, ويتلاقى مع مزيته التي خصه الله بها من العقل والفهم, فاي حرج على الإنسان أن يتقيد بها ويعمل بمقتضاها؟ ما دام يعلم علم اليقين أنها منوط بها سعادته, وهو أهل لها, وفي تكليفه بها وتشريفه وتكريمه وتوجيهه وتسديده لتتم بها السعادة في الدنيا والآخرة.

وأما النوع الثاني من التخفيفات الواردة في الشرع لما يوجد من الأعذار والعوارض, وهو المسمى بالرخص, أن الرخص في الإسلام تعتبر دليل عيان يشهد له بأنه دين اليسر والسهولة, وشاهد عدل على سماحته وتجاوبه مع الفطر المستقيمة, وحساسيته


(١) (الحج: من الآية٧٨).
(٢) (البقرة: من الآية٢٨٦)

<<  <  ج: ص:  >  >>