وقولهم:(إن الشرع ألجأه إلى لبسه) غير صحيح؛ لأنا قد بينا أنه يفتقه، ويستر عورته، والحائض ما ألجأها الشرع إلى ترك الطواف؛ لأنها تقدر أن تقيم حتى تطهر وتطوف، وإنما خفف الشرع عنها ذلك.
وأما استشهاده بالصيد، فلا معنى له؛ لأنه إن اضطر إلى أكله، فإنما يقتله لمعنى في نفسه، وهو ضرر الجوع، وإن قتله لأنه صال عليه، فإنما قتله - أيضاً - لمعنى في نفسه، وهو خوفه على نفسه، ألا ترى أنه لو لم يخف لم يجز له قتله؟ وخوفه على معنى فيه نفسه.
واحتج المخالف بما تقدم من حديث ابن عمر:"فإن لم يجد النعليم فليلبس الخفين، ويقطعهما أسفل من الكعبين".
فنص على القطع، وهذا مقيد، وخبر ابن عباس مطلق، والمقيد يقضي على المطلق.
والجواب: أنا نقابل هذا بحديث ابن عباس، وهو أولى من وجوه:
أحدها: أنه لم يختلف فيه، وخبر ابن عمر اختلف في اتصاله، فقال أبو داود في "سننه": رواه مرسى بن طارق، عن موسى بن عقبة موقوفاً على ابن عمر، وكذلك رواه عبيد الله بن عمر ومالك وأيوب.
والثاني: أن لفظ خبر ابن عباس لم يختلف، وخبر ابن عمر اختلف؛ فروي القطع، وروي ترك القطع، رواه أبو بكر النجاد في كتابه عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "السراويل لمن لم يجد النعلين".