دليلنا على أبي حنيفة ومالك: قوله تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ}[المائدة: ٩٥].
وظاهر الآية يقتضي أنه إذا وصل الهدي حياً إلى الكعبة أجزأه، إلا أن الديل دل على وجوب إيقاع فعل فيه، ولا يجوز أن يكون المراد بذلك النحر فحسب؛ لأنه ليس في النحر أكثر من تلويث الحرم بالدم، وتنجيسه، وذلك موضع شريف لا يُؤمر بتنجيسه مقصوداً، فثبت أنه أراد بذلك الأمر بالتفرقة، إلا أن التفرقة قد تتضمن النحر؛ لأنها لا تحصل إلا بعد، واقتضت الآية وجوب الأمرين معاً.
وأيضاً روي عن ابن عباس: أنه قال: الهدي والإطعام بمكة، والصوم حيث شاء.
ولا يُعرف له مخالف، وعندنا وعندهم أن قول الصحابي مقدم على القياس.
والقياس: أن التفرقة إحدى مقصودي الهدي، فجاز أن يختص بالحرم، كالنحر.
ولا يلزم عليه هدي المحصر؛ لأنه قد يختص الحرم، وهو إذا كان الحصر في الحرم، وكذلك فدية الأذى تختص بالحرم إذا كان الحلق في الحرم.
فإن قيل: تفرقة اللحم غير مقصودة عندنا وعندكم؛ لأنه لو سُرق بعد الذبح لم يجب بدله، ولو سُرق قبل الذبح وجب بدله.