وصار ابن الجوزيّ إمامًا بارعًا، وعالمًا مُتقنًا، يجيد العلوم والمعارف المختلفة:
ففي التفسير وعلوم القرآن له باع طويل، ومعرفة بالمتشابه، والنظائر، والناسخ والمنسوخ، وعجائب علوم القرآن.
وفي الحديث ورجاله مجدٌّ مجتهد، يصنّف في الأحاديث الضعيفة والموضوعة، ويترجم لرجالات الحديث ويجرّح ويعدّل.
وفي العقيدة وعلوم الإِسلام له سهم وافر، ومكانة مرموقة.
أما في التاريخ فحدِّث ولا حَرَجَ، فموسوعةٌ تاريخية عظيمة كتابُه "المنتظم"، وتاريخ بعض الخلفاء والمشاهير وغيرهم كتاباته فيهم مرموقة.
ولا يَقلّ عن ذلك جهده في اللغة والأدب والأخبار والطرائف.
أما الوعظ والمواعظ والخطابة فإمام لا ينازَع، وفارس لا يُقارَع، سارت مواعظه وقصصه الوعظيّة مَضْرِبَ الأمثال، وما يحكى في الكتب عن مجالس وعظه، وكم كان يُقْبِلُ عليها، ومن كان يَحْضُرُها من عِلْيةِ القوم، وآثارِ وعظه في سامعيه، حكاياتٌ يَظُنُّ قارئها أنها قريبة من الخيال، أو مبالغ فيها. ومؤلّفاته الكثيرة جدًّا في الوعظ والنُّصح للخاصّة والعامّة مشهورة متداولة.
* * * *
تلمذ للإمام أبي الفرج عدد كبير من أئمّة عصره، من أهل بغداد ومن الواردين عليها، نذكر بعض مشاهير العلماء الذين أخذوا عنه:
فمنهم ابنُه محيي الدين يوسف، الذي برع في العلوم والوعظ، توفّي سنة ٦٥٦ هـ.
ومنهم سِبْطُه ابنُ ابنته، يوسف بن قزغلي، الذي تربّى في حجر جدّه، وهو صاحب الموسوعة التاريخية: "مرآة الزمان" توفّي سنة ٦٥٤ هـ.
والمؤرّخ الأديب ابن الدّبيثي، محمد بن سعيد بن يحيى، المتوفّى سنة ٦٣٧ هـ.
والمؤرّخ أبو عبد اللَّه محمد بن محمد، ابن النجّار البغدادي، "المُذَيِّل" على تاريخ بغداد، المتوفّى سنة ٦٤٣ هـ.
واللغوي النحويّ الشهير، أبو البقاء عبد اللَّه بن الحسين العكبري، الذي أعرب غريب "جامع المسانيد"، توفّي سنة ٦١٦ هـ.