للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتى قال قائلهم: بغى (١) -واللَّه- رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قومَه، فدخل عليه سعدُ بن عبادة فقال: يا رسولَ اللَّه، إنّ هذا الحيَّ قد وَجَدُوا عليك في أنفسهم لما صَنَعْتَ في هذا الفيءِ الذي أصبْتَ، فقَسَمْتَ في قومِك وأعطيتَ عطايا عِظامًا، وفي (٢) قبائل العرب، ولم يكن في هذا الحيِّ من الأنصار شيء. قال: "فأين أنتَ من ذلك يا سعد؟ " فقال: يا رسول اللَّه، ما أنا إلّا امرؤ من قومي (٣). قال: "فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة" فخرج سعد فجمع الأنصار في تلك الحظيرة. قال: فجاء رجال من المهاجرين، فتركَهم يدخلون، وجاء آخرون فردَّهم، فلما اجتمعوا له أتاه سعد فقال: قد اجتمع لك هذا الحيُّ من الأنصار. قال: فأتاهم رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فحَمِدَ اللَّهَ وأثنى عليه بالذي هو له أهل، ثم قال: "يا معشرَ الأنصار، ما قالةٌ بلَغَتْني عنكم، وَجِدَةٌ وَجَدْتُموها في أنفسكم؟ ألم آتِكم ضُلّالًا فهداكم اللَّه؟ وعالةً فأغناكم اللَّه؟ وأعداءً فألّفَ اللَّهُ بين قلوبكم؟ " قالوا: بلى، اللَّهُ ورسوله أمَنُّ وأفضل. قال: "ألا تُجيبوني يا معشرَ الأنصار؟ " قالوا: وبِم نُجيبُك يا رسول اللَّه، وللَّه ولرسوله المَنُّ والفَضل؟ قال: "أما واللَّه، لو شِئْتُم لقُلْتُم ولصَدَقْتُم (٤): آتَيْتَنا مُكَذَّبًا فصَدَّقْناك، ومَخذولًا فنَصَرْناك، وطَريدًا فآوَيْناك، وعائلًا فآسَيْناك. أوجَدَتُم في أنفسكم -معشر الأنصار- في بضاعة (٥) من الدُّنيا تأَلَّفْتُ بها قومًا ليُسْلِموا، ووُكِلْتُم إلى إسلامكم، ألا ترضَون يا معشرَ الأنصار أن يذهبَ الناسُ بالشاء والبعير وترجعون برسول اللَّه إلى رحالكم؟ فوالذي نفسُ محمّد بيده، لولا إلهجرةُ لكُنْتُ امرأً من الأنصار، ولو سَلَكَ الناسُ شِعبًا وسلكت الأنصارُ شِعبًا لَسَلَكْتُ شِعْبَ الأنصار. اللهمّ ارحمِ الأنصارَ، اللَّهمَّ ارحمِ الأنصار (٦)، وأبناءَ الأنصار، وأبناءَ أبناءِ الأنصار". قال: فبكى القوم حتى اخضلَّت لِحاهم، وقالوا: رَضينا برسول اللَّه قِسْمًا وحظًّا. ثم انصرفَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وتفرّقوا (٧).


(١) في المسند "لقي"، ومثله في جامع المسانيد والمجمع.
(٢) في المسند "في".
(٣) في المسند زيادة "وما أنا".
(٤) في المصادر: "فلصدقتم وصُدّقتُم".
(٥) في المسند "لعاعة" وهي اليسير من الشراب وغيره.
(٦) لم يرد هذا التكرار في المصادر.
(٧) المسند ١٨/ ٢٥٣ (١١٧٣٠)، قال الهيثمي ١٠/ ٣٢: رجاله رجال الصحيح غير محمد بن إسحاق، وقد صرّح بالسماع. . . أي فانتفت شبهة التدليس. وقال ابن كثير في الجامع ٣٣/ ٤٢٥ (٩٠٨): تفرّد به. وللحديث شواهد في الصحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>