وقال ابن خلّكان:"الفقيه الحنبلي الواعظ، كان علّامة عصره، وإمام وقته في الحديث وصناعة الوعظ".
وقال ابن كثير:"أحد أفراد العلماء، برز في كثير من العلوم، وجمع المصنّفات الكبار والصغار. . . وتفرَّد بفنّ الوعظ الذي لم يُسبق إلى مثله، ولا يُلحق شأوه في طريقته وشكله، وفي فصاحته وبلاغته وعذوبة كلامه. . . وله في العلوم اليد الطُّولى. .".
وقال الذهبي:". . وكان بحرًا في التفسير، علّامة في السير والتاريخ، موصوفًا بحُسن الحديث، ومعرفة فنونه، فقيهًا، عليمًا بالإجماع والاختلاف، جيّد المشاركة في الطبّ. .".
وقال ابن رجب:"الحافظ المفسرّ الفقيه الواعظ الأديب، شيخ وقته، وإمام عصره. . لم يكن لمجالسة الوعظيّة نظير، ولم يُسمع بمثلها، وكانت عظيمة النّفع، يتذكّر بها الغافلون، ويتعلّم منها الجاهلون، ويتوب فيها المذنبون. وقد تكلّم مرّة فتاب في المجلس نحو مائتي رجل".
* * * *
وبعد هذه الحياة الحافلة، تعلّمًا وتعليمًا، وتأليفًا وعملًا، وهذا التقدير العظيم الذي لقيه ابن الجوزيّ من أهل عصره، ثم من العلماء الذين ذكرنا بعض قولهم فيه، وعلى مرّ العصور إلى يومنا هذا، من الإقبال على مؤلّفاته، والانتفاع بها، بعد هذا كلّه أصابه شيء من البلاء الذي يصيبُ المؤمنين العاملين، فقد كاد له بعض الزّنادقة الواشين، الذين لا يَسُرُّهم شيوعُ الحق وبروزُ رجالاته، فتمكَّنوا من الإيقاع بابن الجوزي عند وزير رافضي خبيث، فنفاه إلى واسط وهو في الثمانين من عمره، وسجنه فريدًا وحيدًا، قضى في سجنه سنوات خمسًا من أواخر أيامه، ثمَّ أُعيد إلى بغداد، فلم يَلْبَثْ كثيرًا حتى قضى نحبه.
وكانت وفاة ابن الجوزيّ ليلة الجمعة الثالث عشر من رمضان المبارك سنة سبع وتسعين وخمسمائة للهجرة. وقد دُفِن بعد صلاة الجمعة، في يوم مشهود، أفاضت المصادر بالحديث عنه، وعن جنازة حضرها المجموع الغفيرة.