للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خرَجْنا مع النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى خيبرَ، فسِرْنا ليلًا، فقال رجلٌ من القوم لعامر (١): يا عامرُ، ألا تُسْمعُنا من هَناتك (٢)، وكان عامرٌ شاعرًا، فنزل يحدو بالقوم، يقول:

اللهمّ لولا أنتَ ما اهْتَدَينا

ولا تصدَّقْنا ولا صلَّينا

فاغفِرْ فداءً لك ما اقتفَينا (٣)

وثبِّتِ الأقدامَ إن لاقَينا

وأَلْقِيَنْ سَكِينةً علينا

إنّا إذا صِيحَ بنا أتَينا

وبالصِّياح عوَّلُوا علينا

فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من هذا السائق؟ " قالوا: عامر بن الأكوع. قال: "يرحمُه اللَّه" قال رجل من القوم: وَجَبَتْ يا نبيَّ اللَّه، لولا أَمْتَعْتَنا به! (٤).

فأتَينا خيبرَ فحاصرْناهم حتى أصابَتْنا مَخْمَصةٌ (٥) شديدة. ثم إنّ اللَّهَ تعالى فتحَها عليهم فلما أمسى الناسُ مساءَ اليوم الذي فُتِحت عليهم أوقدوا نيرانًا كثيرة، فقال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما هذه النيران؟ على أيِّ شيء تُوقدون؟ " قالوا: على لحم. قال: "على أيّ لحم؟ " قالوا: على لحم الحُمُر الإنسية. فقال النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَهريقوها واكْسِروها" فقال رجل من القوم: أو نُهريقها ونَغْسِلَها؟ قال: "أو ذلك".

فلما تصافَّ القومُ كان سيفُ عامر قصيرًا، فتناولَ ساقَ يهوديٍّ ليضرِبَه، فرجع ذُباب سيفه (٦) عينَ رُكبة عامر، فمات منه، فلما قَفَلُوا رآني رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- شاحِبًا ساكتًا وهو


(١) وهو عمّ سلمة.
(٢) ويروى في البخاري "هنيهاتك" وهما بمعنى. والمقصود شعره ورجزه.
(٣) هذه رواية مسلم، وفي البخاري "اتَّقينا" وذكر ابن حجر الروايات ومعانيها - الفتح ٧/ ٤٦٥.
(٤) وجاء في رواية ستأتي: "وما استغفرَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لإنسانٍ يَخُصّه إلا استشهد" وأن عمر هو الذي قال لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ذلك.
(٥) المخمصة: المجاعة.
(٦) ذباب السيف: طرفه.

<<  <  ج: ص:  >  >>