للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتركْتُ أهلي ومالي مُهاجِرًا إلى اللَّه عزّ وجلّ ورسوله. قال: فلما اصطلَحْنا نحنُ وأهلُ مكّة، واختلطَ بعضُنا ببعض. أتيتُ شجرة فكَسَحْتُ (١) شوكَها فاضطجَعْتُ في أصلها، قال: فأتاني أربعة من المشركين من أهل مكة، فجَعَلوا يقعون في رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأَبْغَضْتُهم، فتحَوَّلْتُ إلى شجرة أخرى، وعلَّقوا سلاحهم واضطجعوا، فبينما هم كذلك إذ نادى منادٍ في أسفل الوادي: يا لَـ المهاجرين [قُتِل ابن زُنيمٍ] قال: فاخْتَرَطْتُ سيفي ثم شَدَدْتُ على أولئك الأربعة وهم رُقود، وأخذْتُ سلاحَهم فجعلْتُه ضِغْثًا في يدي، ثم قلتُ: والذي كرَّم وجهَ محمّد، لا يرفعُ أحدٌ منكم رأسه إلا ضَرَبْتُ الذي فيه عيناه. قال: ثم جئتُ بهم أسوقُهم إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. وجاء عمّي عامر برجلٍ من العَبَلات يقال له مِكْرَز، يقودُه إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على فرسٍ مُجفَّف في سبعين من المشركين، فنظرَ إليهم رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "دَعُوهم يَكُنْ لهم بَدْءُ الفُجور وثِناه". فعفا عنهم رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأنزلَ اللَّه عزّ وجلّ: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ. . .} الآية كلّها [الفتح: ٢٤].

قال: ثم خرجنا راجعين إلى المدينة، فنزلْنا منزلًا، بيننا وبين لِحيان جبل، وهم المشركون، فاستغفرَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لمن رَقِيَ الجبلَ الليلةَ، كأنّه طليعةٌ للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه. قال سلمة: فرَقِيتُ تلك الليلة مرّتَين أو ثلاثًا.

ثم قَدِمْنا المدينة، فبعثَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بظَهره مع رباح غلامِ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأنا معه، وخرجْتُ معه بفرس طلحةَ أُنَدِّيه مع الظَّهر، فلمّا أصبَحْنا إذا عبد الرحمن الفرازي قد أغار على ظَهر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فاستاقه أجمعَ، وقتلَ راعيَه (٢). قال: فقلت: يا رباحُ، خُذْ هذا الفرسَ فأبْلِغْه طلحةَ بن عُبيد اللَّه، وأَخْبِرْ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن المشركين قد أغاروا على سَرْحه. قال: ثم قُمْتُ على أَكَمة فاستقبلْتُ المدينةَ فناديتُ ثلاثًا: يا صباحاه. ثم خرجتُ في آثار القوم أَرميهم بالنَّبل وأرتجزُ وأقول:

أنا ابنُ الأكوعِ

واليومُ يومُ الرُّضَّعِ


(١) كسح: كنس.
(٢) روى الإمام أحمد الحديث إلى هنا ٤/ ٤٨ عن شيخه عبد الصمد عن عكرمة عن إياس عن أبيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>