للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فألحقُ رجلًا منهم فأَصُكُّ سهمًا في رَحله حتى خَلَصَ نَصْلُ السَّهم إلى كَتِفه. قال: قلتُ: خُذها وأنا ابن الأكوع، واليوم يوم الرُّضَّع. قال: فواللَّه ما زِلْت أرميهم وأعقرُ بهم، فإذا رجعَ إليّ أتيتُ شجرة فجلسْتُ في أصلها ثم رَمَيْتُه فعَقَرْتُه، حتى إذا تضايقَ الجبلُ فدخلوا في تضايقه عَلَوْتُ الجبلَ فجعلتُ أرميهم (١) بالحجارة. قال: فما زلت كذلك أَتْبَعُهم حتى ما خلق اللَّهُ عزّ وجلّ من بعير من ظَهر رسول اللَّه إلا خَلَّفْتُه وراء ظهري، وخَلَّوا بيني وبينه، ثم اتّبَعْتُهم أَرميهم حتى ألقَوا أكثرَ من ثلاثين بُرْدةً وثلاثين رُمحًا، يستخفّون، ولا يطرحون شيئًا إلا جعلت عليه آرامًا من الحجارة يعرفُها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه، حتى أتَوا مُتضايِقًا من ثَنِيّةٍ، فإذا هم قد أتاهم فلانُ بن بدر الفَرازي، فجلسوا يَتَضَحَّون -يعني يَتَغَدَّون- وجلسْتُ على رأس قَرْن. قال الفَرازي: ما هذا الذي أرى؟ قالوا: لقد لَقِينا من هذا البَرْحَ واللَّه، ما فارَقَنا منذ غَلَسٍ يرمينا، حتى انتزَعَ كلَّ شيء من أيدينا. قال: فليقُمْ إليه نَفَرٌ منكم أربعة. قال: فصَعِد إليّ منهم أربعةٌ في الجبل، قال: فلما أمكَنوني من الكلام قلت: هل تعرفوني؟ قالوا: لا، ومن أنت؟ قلت: أنا سلَمة بن الأكوع. والذي كرّمَ وجهَ محمد لا أطلُبُ رجلًا منكم إلا أدركْتَه، ولا يطلُبُني رجلٌ منكم فيُدْرِكُني. قال أحدهم: أنا أظنُّ. قال: فرجعوا، فما بَرَحْتُ مكاني حتى رأيتُ فوارسَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يتخلّلون الشَّجَر. قال: فإذا أوَّلُهم الأخرمُ الأَسَدي، على إثره أبو قتادة الأنصاري، وعلى إثره المِقداد بن الأسود الكندي. قال: فأخذْتُ بعِنان الأخرم، قال: فولَّوا مُدبرين، قلتُ: يا أخرمُ، احْذَرْهُم لا يقتطعوك حتى يلحقَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابُه. قال: يا سلمة، إن كنتَ تؤمنُ باللَّه واليوم الآخر وتعلمُ أن الجنّةَ حقٌّ والنّارَ حقٌّ، فلا تَحُلْ بيني وبين الشهادة. قال: فَخَلَّيْتُه. قال: فالتقى هو وعبد الرحمن، فعَقَر بعبد الرحمن فرسه فطعن عبدَ الرحمن فقتله، وتحوَّلَ على فرسه، ولَحِق أبو قتادة فارس رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعبد الرحمن فطعنّه فقتله، فوالذي كرَّم وجهَ محمّد -صلى اللَّه عليه وسلم- لَتَبِعْتُهم أعدو على رجليّ حتى ما أرى ورائي من أصحاب محمّد ولا من غُبارهم شيئًا، حتى يعدلوا قبل غروب الشمس إلى شيدب فيه ماء يقال له ذا قَرَد، ليشربوا منه وهم عطاش، قال: فنظروا إليّ أعدو وراءهم، فَخَلَّيْتُهم عنه - يعني أَجْلَيْتُهم عنه، فما ذاقوا منه قَطرة. قال: ويخرجون فيشتَدُّون في ثَنِيّة. قال: فأعدو فألحَقُ رجلًا منهم وأَصْطَكُّه بسهم في نُغْضِ كتفه. قال: قلت: خُذها وأنا ابن الأكوع، واليوم يوم الرُّضّع. قال: ويل


(١) في مسلم "أُرَدّيهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>