للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم يعودُ عليه فيفعلُ به مثلَ ما فعل المرّة الأولى. قال: قلت: سبحانَ اللَّه! ما هذان؟ قالا لي: انطلق انطلق.

فانطلقت معهما، فأَتَيْنا على رجل مُسْتَلِقٍ لقفاه، فإذا آخرُ قائمٌ عليه بكَلُّوب من حديد، وإذا هو يأتي أحدَ شِقَّي وجهه فيُشَرْشِرُ شِدْقَه إلى قفاه، ومِنْخَرَيه إلى قفاه، وعينيَه إلى قفاه. قال: ثم يتحوَّلُ إلى الجانب الآخر فيفعلُ به مثلَ ما فعل بالجانب الأول، فما يفرُغُ من ذلك الجانب حتى يَصِحَّ الأول كما كان، ثم يعودُ فيفعلُ به مثلَ ما فعل به المّرة الأولى. قال: قلتُ: سبحان اللَّه ما هذان؟ قالا لي: انطلق انطلق.

فانطلقنا فأتينا على مثل بناء التَّنُّور. قال عوف: وأحسبُ أنّه قال: وإذا فيه لَغَظٌ (١) وأصواتٌ. قال: فاطَّلَعْتُ فإذا فيه رجال ونساء عراة، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفلَ منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهبُ ضَوْضَوا. قال: قلتُ: ما هؤلاء؟ قالا لي: انطلق انطلق.

[فانطلقْنا] فأتيْنا على نهر حَسِبْتُ أنّه قال: أحمرَ مثل الدّم، فإذا في النهر رجل يَسْبَجُ، وإذا على شطِّ النَّهْر رجلٌ قد جَمَعَ عنده حجارةً كثيرة، وإذا ذلك السابح يسبحُ ما يسبحُ (٢)، ثم يأتي ذلك الرجلَ قد جمع الحجارةَ فيفغَر له فاه فَيُلْقِمُه حَجرًا، قال: فينطلقُ فيسبحُ ما يسبحُ ثم يرجعُ إليه، كلّما رجع إليه فغرَ له فاه فألقَمَه حجرًا. قال: قلتُ: ما هذا؟ قالا لي: انطلق انطلق. فانطلقْتُ، فأتينا على رجلٍ كريه المِرآة كأكره ما أنت راءٍ رجلًا مِرآةً، فإذا هو عند نارٍ له يَحُشُّها ويسعى حولها. قال: قلتُ: ما هذا؟ قالا لي: انطلق انطلق.

فانطلقتُ، فأتينا على روضة مُعْشِبة (٣)، فيها من كلّ نَور الربيع، قال: وإذا بين ظهرانيَ الرَّوضةَ رجلٌ قائم طويل لا أكادُ أرى رأسَه طولًا في السماء، وإذا حولَ الرجل من أكثر ولدانٍ رأيتُهم قطُّ. قلتُ لهما: ما هذا؟ ما هؤلاء؟ قالا لي: انطلق انطلق.

قال: فانطلقتُ فأتيْنا على دَوْحة (٤) عظيمة لم أرَ دوحةً قطُّ أعظمَ منها ولا أحسن.


(١) اللغط: الأصوات المختلطة.
(٢) لم يرد في المسند "وإذا شطّ النهر. . . يسبح" وهي من البخاري.
(٣) رواية البخاري "مُعْتِمة". أو "مُعْتَمَّة" أي: غطّاها الخصب.
(٤) رواية البخاري "إلى روضة".

<<  <  ج: ص:  >  >>