للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعثَتْ قريشٌ عمرو بن العاص وعُمارة بن الوليد بهَديّة، فلما دخلا على النجاشيّ سجدا له، ثم ابتدراه عن يمينه وعن شماله، ثم قالا له: إنّ نَفَرًا من بني عمّنا نزلوا أرضك ورَغِبوا عنا وعن ملّتنا. قال: فأين هم؟ قال: هم في أرضك، قال: فابعثْ إليهم، فبعث إليهم نفرًا، فقال جعفر: أنا خطيبُكم اليوم، فاتَّبَعوه، فسلَّم ولم يسجد، فقالوا له: ما لك لا تسجُدُ للملك؟ قال: إنّا لا نسجُدُ إلّا للَّه عزّ وجلّ: قال: وما ذاك؟ قال: إنّ اللَّه عزّ وجلّ بعث إلينا رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأمَرَنا ألّا نسجد لأحدٍ إلّا للَّه عزّ وجلّ، وأمرنا بالصلاة والزكاة. قال عمرو بن العاص: فإنّهم يُخالفونك في عيسى ابن مريم. قال: ما تقولون في عيسى ابن مريم وأمِّه؟ قال: نقول كما قال اللَّه عزّ وجلّ: هو كلمة اللَّه وروحه، ألقاها إلى العذراء البَتول، التي لم يَمَسَّها بَشَر ولم يَفْرِضْها ولد. قال: فرفع عودًا من الأرض، ثم قال: يا معشر الحبشة والقسِّيسين والرُّهبان، واللَّه ما يزيدون على الذي نقول فيه ما يساوي هذا. مرحبًا بكم وبمن جِئْتُم من عنده، أشهدُ أنّه رسول اللَّه، فإنّه الذي نجد في الإنجيل، وإنَّه الذي بشَّرَ به عيسى ابنُ مريم، انزلوا حيث شِئْتُم، واللَّه لولا ما أنا فيه من الملك لأتيْتُه حتى أكونَ أنا أحملُ نعلَيه وأوضِّئه، وأمر بهديّة الآخرين فرُدَّت إليهما، ثم تعجَّل عبد اللَّه بن مسعود حتى أدرك بَدرًا.

وزعمَ أنّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- استغفرَ له حين بلغَه موتُه (١).

(٤١٠٢) الحديث الرابع بعد المائة: حدّثنا أحمد قال: حدّثنا عفّان قال: حدّثنا حمّاد قال: حدّثنا عطاء بن السائب عن الشعبي عن ابن مسعود:

أن النساء كُنّ يوم أحد خلف المسلمين، يُجْهِزْن على جرحى المشركين، فلو حلفتُ يومئذ ورجوتُ أنْ أبَرّ: إنّه ليس أحدٌ منا يُريد الدنيا، حتى أنزل اللَّه عزّ وجلّ: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ} [آل عمران: ١٥٢]، فلّما خالف أصحابُ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وعصَوا ما أُمِرُوا به، أُفرِدَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في تسعةٍ: سبعة من الأنصارِ، ورجلين من قريش، وهو عاشرُهم، فلما رَهِقوه. قال: "رَحِمَ اللَّه رجلًا ردَّهم عنا"،


(١) المسند ٧/ ٤٠٨ (٤٤٠٠). قال الهيثمي في المجمع ٦/ ٢٧ بعد أن نسبه للطبراني: وفيه حديج بن معاوية، وثّقه أبو حاتم وقال: في بعض حديثه ضعف، وضعّفه ابن معين وغيره، وبقية رجاله ثقات. وجعل ابن حجر الحديث حسن الإسناد - الفتح ٧/ ١٨٩، وقال عنه ابن كثير في البداية ٣/ ٦٩: هذا إسناد قوي وسياق حسن. وجعل محقّقو المسند إسناده ضعيفًا لضعف حُديج.

<<  <  ج: ص:  >  >>