بنتِ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وتخلَّفَتْ عنّا الأنصارُ بأجمعها، في سقيفة بني ساعدة، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر، فقلتُ له: يا أبا بكر، انطَلِقْ بنا إلى إخواننا من الأنصار، فانطلَقْنا نَؤُمُّهم حتى لَقِيَنا رجلان صالحان، فذكرا لنا الذي صنع القومُ، فقالا: أين تريدون يا معشرَ المهاجرين؟ فقلتُ: نريدُ إخوانَنا هؤلاءِ من الأنصار، فقالا: لا عليكم أَن لا تَقْرَبُوهم، واقْضوا أمرَكم يا معشرَ المهاجرين، فقلتُ: واللَّه لنأتِيَنَّهم.
فانطلقنا حتى جِئناهم في سقيفة بني ساعدة، فإذا هم مجتمعون، وإذا بينَ ظَهرانَيْهم رجلٌ مُزَّمِّل، فقلت: مَنْ هذا؟ فقالوا: سعدُ بن عُبادة، فقلت: ما له؟ قالوا: وَجع، فلما جلسنا قام خطيبُهم فأثنى على اللَّه عزّ وجلّ بما هو أهلُه، وقاك: أما بعدُ، فنحنُ أنصار اللَّه وكتيبةُ الإسلام، وأنتم يا معشرَ المهاجرين رَهْطٌ منّا، ومَد دَفَّت دافَّةٌ منكم يريدون أَن يختَزِلونا من أصلنا، ويَحْضُنُونا من الأَمر فلمّا سكتَ أَردتُ أن أتكلَّمَ، وكنتُ قد زوَّرْتُ مقالةً أعجَبَتْني، أردتُ أن أقولَها بين يدَيْ أبي بكرٍ، وقد كنتُ أُداري منه بعضَ الحَدِّ، وهو كان أحلمَ مني وأَوقرَ، فقال أبو بكر: على رِسْلِك. فكرِهْتُ أنْ أُغضبَه، وكان أعلَمَ منِّي وأوقرَ، واللَّه ما تَرَكَ من كلمةٍ أعجَبَتْني في تزويري إلا قالها في بديهته وأفضلَ، حتى سَكَت، فقال: أما بعدُ: فما ذكَرتم من خير فأنتم أَهلُه، ولم تعرفِ العربُ هذا الأمر إلا لهذا الحيِّ من قريش، هم أوسط العرب نَسَبًا ودارًا، وقد رَضِيتُ لكم أحدَ هذين الرجلين أيَّهما شئْتُم. وأخذ بيدي وبيد أَبي عبيدة بن الجرّاح، فلم أَكره ممّا قال غيرَها، كان واللَّه أن أُقَدَّمَ فتُضْرَبَ عنقي، لا يقرِّبني ذلك إلى إثم، أَحبُّ إليّ من أن أَتأَمَّرَ على قوم فيهم أبو بكر، إلا أن تَغَيَّرَ نفسي عند الموت. فقال قائل من الأنصار: أنا جُذَيْلُها المُحَكَّك، وعُذَيقُها المُرَجَّب، مِنّا أميرٌ ومنكم أميرٌ.
فقلتُ لمالك: ما معنى أنا جُذَيلها المُحَكَّك، وعُذَيقها المُرَجَّب؟ قال: كأنّه يقول: أنا داهِيَتُها.
قال: وكَثُر اللَّغَطُ، وارتفعتِ الأصواتُ، حتى خشيتُ الاختلاف، فقلتُ: ابسُط يدَك يا أَبا بكر، فبَسَطَ يده فبايَعْتُه، وبايعه المهاجرون، ثم بايعه الأنصار، ونَزَوْنا على سعد بن عبادة، فقال قائل منهم: قَتَلْتم سعدًا، فقلتُ: قَتَل اللَّهُ سعدًا.
وقال عمر: أَما واللَّه ما وَجَدْنا فيما حَضَرَنا أَمرًا هو أوفقُ (١) من مبايعة أَبي بكر، خَشِينا