قال عمرو بن عَبَسة: فرَكِبْتُ راحلتي حتّى قَدِمْتُ عليه المدينةَ، فدخلْتُ عليه، فقلتُ: يا رسولَ اللَّه أتعرفني؟ قال:"نعم، أَلسْتَ أنتَ الذي أَتيتَني بمكّة؟ " قال: قلتُ: بلى، فقلتُ: يا رسولَ اللَّه، علِّمْني مِمّا علَّمَك اللَّهُ وأجْهَلُ، قال:"إذا صلَّيْتَ الصُّبْحَ فأقْصِرْ عن الصّلاةِ حتَّى تطلُعَ الشمسُ، فإذا طلعَتْ، فلا تُصلِّ حتَّى ترْتفع، فإنّها تطلُعُ حين تطلُعُ بَينَ قرنَي شيطان، وحينئذٍ يسجُدُ لها الكفّار، فإذا ارتفعت قيدَ رُمح أو رمحين فصلِّ، فإنَّ الصلاة مشهودةٌ مَحضورة حتّى يَسْتَقِلَّ الرّمحُ بالظّلِّ، ثم أقْصِر عن الصَّلاةِ، فإنها حينئذٍ تُسجَرُ جهنَّمُ، فإذا فاء الفَيء فصَلِّ، فإنّ الصلاة مشهودةٌ مَحضورةٌ، حتّى تصلّيَ العصرَ، فإذا صلَّيتَ العَصْرَ فأقْصِرْ عن الصّلاة حتّى تغرُبَ الشّمسُ، فإنّها تغرُبُ حين تغرُبُ بينَ قرنَي شيطان، وحينئذ يسجُدُ لها الكفّار".
قلتُ: يا نبيّ اللَّه، أخبرني عن الوُضُوء، قال:"ما مِنكُم من أَحدٍ يُقَرِّبُ وُضوءَه ثمّ يتمضمضُ ويَسْتَنْشِقُ ويَنْتَثِرُ إلا خَرّت خطاياه من فمه وخياشيمه مع الماء حين يَنْتَثِرُ، ثمّ يغسل وجهه كما أمرَهُ اللَّهُ تعالى إلّا خرَّت خطايا وجهه من أطراف لِحيته مع الماء، ثمّ يَغسلُ يديه إلى المِرفقين إلّا خرَّتْ خطايا يَدَيه مِن أطراف أنامله، ثمّ يمسح رأسه إلّا خرَّت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء، ثمَ يَغسلُ قدميه إلى الكعبين كما أمرَه اللَّه عزّ وجلّ إلا خرَّت خطايا قدميه مِن أطراف أَصابعه مع الماء، ثم يقومُ فيحمدُ اللَّه عزّ وجلّ ويُثني عليه بالَذي هو له أهلُ، ثمّ يركع رَكعتين إلّا خرج من ذنوبه كهيئته يومَ ولدَتْه أُمُّه".
قال أبو أُمامة: يا عمرو بن عبسة انْظُرْ ما تقول، أسَمِعت هذا من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، أَيُعْطَى هذا الرجل كُلُّه في مقامه؟ قال: فقال عمرو بن عبسة: َ يا أبا أُمامة لقد كَبِرَتْ سِنِّي، وَرَقَّ عَظمي، واقْتَرَبَ أَجَلي، وما بي من حاجة أن أَكذِبَ على اللَّه عزّ وجلّ وعلى رسوله، لَو لم أَسمعْه من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلا مرّة أو مرّتين أو ثلاثًا، لقد سَمِعْتُه سبعَ مرّات أو أكثر من ذلك.
انفرد بإخراجه مسلم (١).
ومعنى: حِراء: أي غِضاب. ويروى جُرَآء بالجيم، هو من الجرأة.
(١) المسند ٤/ ١١٢، ومسلم ١/ ٥٦٩ (٨٣٢) من طرق عن عكرمة. وأبو عبد الرحمن شيخ أحمد، ثقة، من رجال الشيخين.