مياه الحديبية معهم العُوذُ المطافيل، وهم مقاتلوك وصادُّوك عن البيت. فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إنّا لم نَجِىءْ لقتال أحد، ولكنّا جِئنا معتمرين، وإن قُريشًا قد نَهَكَتْهم الحربُ وأضرّت بهم، فإن تشأ مادَدْتهم مُدّة ويُخَلّوا بيني وبين النّاس، فإن أظهرْ فإن شاءوا أنْ يدخلوا فيما دخل النّاس فيه فعلوا، إلّا فقد جَمُّوا، وإنْ هم أبَوا فوالذي نفسي بيده لأقاتِلَنَّهم على أمري حتى تنفردَ سالفتي أو لَيُنْفِذَنّ اللَّه أمره".
قال: سأُبَلِّغُهم ما تقولُ. فانطلق حتى أتى قريشًا، فقال: إنَّا قد جئناكم من عند هذا الرجل، وسِمْعناهُ يقول قولًا، فإن شِئتم أن نَعْرِضَه عليكم. فقال سفهاؤهم: لا حاجَةَ لنا في أن تُحَدِّثَنا عنه بشيء. وقال ذوو الرأي منهم: هاتِ ما سَمِعْتَه. قال: سمعتُه يقول كذا وكذا. فقام عروة بن مسعود فقال (١): إنّه قد عرض عليكم خُطّة رُشد فاقبلوها ودَعوني آتِه. قالوا: ائته. فذكر نحوًا ممّا تقدّم في الحديث قبله، وما جرى له مع أبي بكر والمغيرة. وفيه: وكان المغيرةُ قد صَحِبَ قومًا في الجاهلية فقتلهم وأخذَ أموالهم، ثم جاء فأسلمَ، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أمّا الإسلام فأقبل، وأما المال فلسْتُ منه في شيء" وذكر تعظيم الصحابة لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأنهم كانوا يبتدرون أمره ويقتتلون على وَضوئه، ولا يُحِدّون النَّظَرَ إليه تعظيمًا له. وذكر مجيء الرجل الذي كان يُعظّم البُدن، ومجيء سهيل بن عمرو، وأنهم كتبوا الكتاب.
وجاء أبو جَندل، فقال سهيل: هذا أولُ من أُقاضيك عليه أن تَرُدَّه إليّ. فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنّا لم نَقْضِ الكتابَ بعد" قال: فواللَّه إذن لا نُصالِحُك على شيء أبدًا. فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فأجِزه لي" قال: ما أنا بمُجيزه. فقال أبو جندل: أي معاشرَ المسلمين، أُرَدُّ إلى المشركين وقد جئتُ مسلمًا. ألا تَرَون ما قد لقيتُ؟ وكان قد عُذِّب عذابًا شديدًا في اللَّه عزّ وجلّ. فقال عمر: ألستَ نبيَّ اللَّه؟ قال: "بلى" قال: ألسْنا على الحقِّ وعدوُّنا على الباطل؟ قال: "بلى" قال: فَلِمَ نُعْطى الدنيّةَ في ديننا؟ فقال: "إنّي رسول اللَّه ولَسْتُ أعصيه، وهو ناصري". قلتُ: أولَسْتَ كُنتَ تُحَدِّثُنا أنا سنأتي البيتَ فنطوفُ به؟ قال: "بلى" قال: "أفأخبرتُك أنّك تأتيه العام؟ " قال: لا. قال: "فإنّك آتيه ومُتَطَوِّفٌ به". قال: فأتيتُ أبا بكر. . . فذكر نحو ما تقدّم، وأن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أمرَ أصحابه أن ينحَروا ويحلِقوا فلم يفعلوا، وما قالت أمُّ سلمة.