للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أنا بسعد بن معاذ ومعه ابن أخيه الحارثُ بن أوس يحمِلُ مِجَنَّهُ، قالت: فجلَسْتُ إلى

الأرض، فمرّ سعدٌ وعليه دِرْعٌ من حديد قد خرجَت منه أطرافه، وأنا أتخوّفُ على أطراف

سعد. قالت: وكان سعد من أعظم النّاس وأطولهم، فمرّ وهو يرتجزُ ويقول:

لبِّثْ قليلاً يُدْرِكِ الهيجا حَمَل ... ما أحسنَ الموتَ إذا حانَ الأجلْ

قالت: فقمْتُ فاقتحَمْتُ حديقةً، فإذا فيها نفرٌ من المسلمجن، وإذا فيها عمر بن

الخطّاب، وفيهم رجل عليه تَسْبِغةٌ له - تعني المِغْفَر. فقال عمر: ما جاء بكِ لَعَمري؟ والله

إنكِ لجريئة، وما يُؤْمِئكِ أن يكون بلاء، أو يكون تَحَوُّز؟ (١). قالت: فما زال يلومُني حتى

تمنَّيْتُ أن الأرض انشقّت لي ساعتئذٍ فدخلْحث فيها، فرفع الرجل التَّسْبِغة عن وجهه فإذا

هو طلحة بن عُبيد الله، فقال: يا عمر، ويحَك! إنّك قد أكثَرْتَ منذ اليوم، وأين التَّحَوُّز أو

الفِرارُ إلاّ إلى الله؟ . قال: ويرمي سعداً رجلٌ من المشركين من قريش يقال له ابن العَرِقة

بسهم له، فقال له؟ خذْها وأنا ابن العَرِقة، فأصاب أَكْحَلَه فقطعَه، فدعا اللهَ سعدٌ فقال:

اللهمّ لا تمتْني حتى تُقِرَّ عيني من قريظة. قال: وكانوا حلفاءَه ومواليَه في الجاهلية. قالت:

فرَقَأ كَلْمُه (٢).

وبعث اللهُ تعالى الريحَ على المشركين (فكفى اللهُ المؤمنين القتالَ وكان الله قَوِيّاً

عزيزاً) فلَحِق أبو سفيان ومن معه بتهامةَ، ولحق عُيينةُ بن بدر ومن معه بنجد، ورجعت

بنوقريظة فتحصّنوا في صَياصيهم (٣)، ورجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، وأمر بقبّة من أَدَمَ

فضرِبت على سعد في المسجد.

قالت: فجاءه جبريل عليه السلام وإنّ على ثناياه لَنَقْعَ الغبار، فقال: أوَ قد وضعْتَ

السِّلاحَ؟ لا والله ما وَضَعت الملائكة بعدُ السِّلاحَ، اخْرُجْ إلى بني قريظة فقاتِلْهم. قالت:

فلَبِسَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأْمَتَهَ (٤) وأذَّنَ في النّاس بالرحيل أن يخرجوا، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

فمرَّ على بني غَنْم وهم جيران المسجد حولَه، فقال: "من مرَّ بكم؟ " قالوا: مَرّ بنا دِحيةُ

الكلبيّ. وكان دِحية تشبه لحيخه وسُنّةُ وجهِه جبريلَ عليه السلام، فأتاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -


(١) التحوّز: الفِرار والانضمام.
(٢) رقأ كلمه: انقطع الدم من جرحه.
(٣) الصياصي: جمع صِيصية: الحِصن.
(٤) اللأمة: الدّرع.

<<  <  ج: ص:  >  >>