للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خرجْنا مع رسول اللَّه في غزوة (١)، فغشِينا دارًا من دُور المشركين، فأصبْنا امرأة رجلٍ منهم، ثم انصرف رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- راجعًا، وجاء صاحبُها وكان غائِبًا، فذُكِر له مُصابُها، فحلفَ لا يرجعُ حتى يُهريقَ في أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- دمًا، فلمّا كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ببعض الطّريق نزل في شِعب من الشِّعاب، وقال: "من رجلان يَكْلآنا في ليلتنا هذه من عدوَّنا؟ " فقال رجلٌ من المهاجرين ورجلٌ من الأنصار: نحن نكلؤك يا رسول اللَّه.

فخرجا إلى فم الشّعب دون العسكر، ثم قال الأنصاريّ للمهاجريّ: أتكفيني أوّل الليل وأكفيك آخره، أم تكفيني أَخره وأكفيك أوّله؟ فقال له المهاجريّ: بل اكفني أوّلَه وأكفيك آخرَه. فنام المهاجريّ، وقام الأنصاريّ يُصَلّي، فافتتح سورةً من القرآن، فبينا هو يقرؤها إذ جاء زوجُ المرأة، فلمّا رأى الرجلَ قائمًا عرف أنّه ربيئة (٢) القوم، فينزعُ له بسهم فيضعُه فيه، قال: فينتزعه فيضعه وهو قائمٌ يقرأ في السورة التي هو فيها، ولم يتحرّكْ كراهيةَ أن يقطعَها، ثم عادَ له زوجُ المرأة بسهم آخر فوضعَه فيه، فانتزَعَه ووضعَه، وهو قائم يُصَلّي في السّورة التي هو فيها (٣)، ولم يتحرّك كراهية أن يقطعَها، ثم عادَ له زوج المرأةِ الثالثةَ بسهمٍ فوضعَه فيه، قال: فانتزَعَه فوضعَه، ثم ركع وسجد، ثم قال لصاحبه: اقعُد، فقد أُتيتُ. قال: فجلس المهاجريُّ، فلما رآهما صاحبُ المرأة هربَ وعرف أنّه قد نُذِرَ به (٤). قال: وإذا الأنصاري يفوحُ (٥) دمًا من رَمَيات صاحبِ المرأة، فقال له أخوه المهاجريُّ: يغفرُ اللَّه لك، ألا كُنْتَ آذَنْتَني أوّلَ ما رماك. قال: فقال: كنتُ في سورة من القرآن قد افتتحتُها أصلّي بها، فكَرِهْتُ أن أقطعَها. وايمُ اللَّه، لولا أن أُضَيَّعَ ثَغْرًا أمرَني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بحفظه، لقطعَ نَفْسَي قبلَ أن أقطَعَها (٦).


(١) في المسند "في غزوة من نجد". وفي الموضع الآخر: "في غزوة ذات الرّقاع".
(٢) الربيئة: عين القوم ورقيبهم.
(٣) "في السورة التي هو فيها" ليست في المسند.
(٤) نُذِرَ به: علم به.
(٥) في المسند "يموج".
(٦) المسند ٢٣/ ١٥١ (١٤٨٦٥). ورواه عن إبراهيم بن إسحق عن عبد اللَّه بن المبارك عن ابن إسحق ٢٣/ ٥١ (١٤٧٠٤). وهو من طريق ابن المبارك عن ابن إسحق في سنن أبي داود ١/ ٥٠ (١٩٨)، وحسّنه الألباني. وصحّحه ابن خزيمة ١/ ٢٤ (٣٦)، وابن حبّان ٣/ ٣٧٥ (١٠٩٦) من طريق ابن إسحق. ورواه الحاكم ١/ ١٥٦ من طريق محمّد بن إسحق، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، فقد احتجّ مسلم بأحاديث محمّد ابن إسحق. فأما عقيل بن جابر بن عبد اللَّه الأنصاري فإنّه أحسن حالًا من أخويه محمّد وعبد الرّحمن. ووافقه الذهبي.

<<  <  ج: ص:  >  >>