للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بذراعي من خلفي، فالتفتُّ إليه فإذا زيد بن ثابت، فقال: لا تَبِعْه حيث ابْتَعْتَه حتى تَحوزَه إلي رَحلك، فإنّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قد نهى عن ذلك، فأمسكْتُ يدي (١).

(١٧٧٩) الحديث الخامس والثلاثون: حدّثنا البخاريّ قال: حدّثنا أبو اليمان قال: حدّثنا شُعيب عن الزّهري قال: أخبرَني ابن السِّبّاق أن زيد بن ثابت الأنصاريّ وكان ممّن يكتب الوحي قال:

أرسل إليَّ أبو بكر مقتلَ أهل اليمامة وعنده عمر، فقال أبو بكر: إنّ عمر أتاني فقال: إنّ القتل قد استحرَّ (٢) يومَ اليمامة بالنّاس، وإنّي لأخشى أن يستحرّ القتلُ بالقُرّاء في المواطن فيذهبَ كثير من القرآن إلّا أن تجمعوه، لاني لأرى أن تجمع القرآن. فقال أبو بكر: فقلت لعمر: كيف أفعلُ شيئًا لم يفعلْه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. فقال عمر: هو واللَّه خير. فلم يزل عمر يُراجعني فيه حتى شرحَ اللَّه لذلك صدري، ورأيتُ الذي رأى عمر. قال زيد بن ثابت: وعمرُ عنده جالسٌ لا يتكلَّم، فقال أبو بكر: إنّك رجلٌ شابٌّ عاقل ولا نَتَّهِمُك، كنتَ تكتبُ الوحيَ لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَتتَبّعِ القرآن فأجمَعْه. فواللَّه لو كلَّفَني نقلَ جبل من الجبال ما كان أثقلَ عليَّ ممّا أمرَني به من جمع القرآن. قلتُ: كيف تفعلان شيئًا لم يفعلْه النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ فقال أبو بكر: هو واللَّه خير. فلم أزل أراجِعُه حتى شرحَ اللَّه صدري للذي شرح له صدرَ أبي بكر وعمر، فقمتُ فتتبّعت القرآن أجمعُه من الرِّقاع والأكتُف والعُسُب وصدور الرّجال، حتى وجدْت من سورة التوبة آيتين مع خُزيمة بن ثابت الأنصاريّ لم أجدْهما مع غيره: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ} إلى آخرها [التوبة] وكانت الصُّحُف التي جمع فيها القرآنَ عند أبي بكر حتى توفّاه اللَّه، ثم عند عمر حتى توفّاه اللَّه، ثم عند حفصة بنت عمر.

انفرد بإخراجه البخاريّ (٣).

والعُسُب: سَعَف النّخل.

* * * *


(١) المسند ٥/ ١٩١. ابن إسحق صرّح بالتحديث، وسائر رجاله ثقات. وهو من طريق يعقوب في صحيح ابن حبّان ١١/ ٣٦٠ (٤٩٨٤)، وصحّحه المحقّق، وحسّن إسناده. ومن طريق إسحق في سنن أبي داود ٣/ ٢٨٢ (٣٤٩٩)، وحسّنه الألباني.
(٢) استحر: اشتد.
(٣) البخاري ٨/ ٣٤٤ (٤٦٧٩). وينظر ٦/ ٢١ (٢٨٠٧)، والحديث (٢٨) من هذا المسند.

<<  <  ج: ص:  >  >>