للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المضمر إلى المظهر حكمة، وكأنّها بسبب كون المقام مقام تحذير وتخويف لِمَا في الإضافة إلى الضّمير من الإشعار بالتّكريم، ومثله " يا فاطمة بنت محمّد لا أغني عنكِ من الله شيئاً " الحديث. (١)

ويؤخذ من قوله " يا أمّة محمّد " أنّ الواعظ ينبغي له حال وعظه أن لا يأتي بكلامٍ فيه تفخيم لنفسه، بل يبالغ في التّواضع , لأنّه أقرب إلى انتفاع من يسمعه.

قوله: (واللهِ ما مِن أَحدٍ) فيه القسم لتأكيد الخبر , وإن كان السّامع غير شاكّ فيه. وصدّر - صلى الله عليه وسلم - كلامه باليمين لإرادة التّأكيد للخبر , وإن كان لا يرتاب في صدقه.

ولعل تخصيص العبد والأَمَة بالذّكر رعاية لحسن الأدب مع الله تعالى لتنزّهه عن الزّوجة والأهل ممّن يتعلق بهم الغيرة غالباً.

قوله: (ما من أحد أغير) بالنّصب على أنّه الخبر , وعلى أنّ " مِن " زائدة، ويجوز فيه الرّفع على لغة تميم، أو " أغير " مخفوض صفة لأحدٍ، والخبر محذوف تقديره موجود.

قوله: (أغير) أفعل تفضيل من الغيرة بفتح الغين المعجمة , وهي في اللّغة تغيّر يحصل من الحميّة والأنفة، وأصلها في الزّوجين والأهلين , وكلّ ذلك محال على الله تعالى (٢) , لأنّه منزّه عن كلّ تغيّر


(١) أخرجه البخاري (٣٣٣٦) ومسلم (٢٠٥) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٢) قال الشيخ ابن باز رحمه الله (٢/ ٦٨٤): المحال عليه سبحانه وتعالى وصفه بالغَيْرة المشابهة لغَيْرة المخلوق , وأمَّا الغَيرة اللائقة بجلاله سبحانه وتعالى فلا يستحيل وصفه بها كما دلَّ عليه هذا الحديث وما جاء في معناه , فهو سبحانه يوصف بالغيرة عند أهل السنة على وجه لا يماثل فيه صفة المخلوقين. ولا يعلم كنهها وكيفيتها إلاَّ هو سبحانه , كالقول في الاستواء والنزول والرضا والغضب وغير ذلك من صفاته سبحانه.

<<  <  ج: ص:  >  >>