واستدل بهذا على جواز هذا الفعل والقول من وقعت له معصيةٌ، ويفرّق بذلك بين مصيبة الدّين والدّنيا. فيجوز في مصيبة الدّين لِمَا يشعر به الحال من شدّة النّدم وصحّة الإقلاع.
ويحتمل: أن تكون هذه الواقعة قبل النّهي عن لطم الخدود وحلق الشّعر عند المصيبة. (١)
قوله:(هلكت) في رواية منصور في البخاري " فقال: إنّ الأَخِرَ هلك " والأخر بهمزةٍ مفتوحةٍ وخاءٍ معجمةٍ مكسورة بغير مدٍّ هو الأبعد، وقيل: الغائب، وقيل: الأرذل. وفي حديث عائشة في الصحيحين " احترقت " وفي رواية ابن أبي حفصة " ما أراني إلاَّ قد هلكت "
واستدل به على أنّه كان عامداً , لأنّ الهلاك والاحتراق مجازٌ عن العصيان المؤدّي إلى ذلك، فكأنّه جعل المتوقّع كالواقع، وبالغ فعبّر عنه بلفظ الماضي.
وإذا تقرّر ذلك فليس فيه حجّةٌ على وجوب الكفّارة على النّاسي , وهو مشهور قول مالك والجمهور. وهو القول الأول.
القول الثاني: عن أحمد وبعض المالكيّة: يجب على النّاسي.
وتمسّكوا بترك استفساره عن جِماعه , هل كان عن عمد أو نسيان، وترك الاستفصال في الفعل ينزّل منزلة العموم في القول كما اشتهر.
والجواب: أنّه قد تبيّن حاله بقوله هلكت واحترقت. فدلَّ على أنّه
(١) انطر حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - الماضي في الجنائز (١٧٢).