للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صحيح عنه أنّه قيل له: إنّك لتُقل الصّيام، فقال: إنّي أخاف أن يضعفني عن القراءة والقراءة أحبّ إليّ من الصّيام.

نعم. إن فُرِض أنّ شخصاً لا يفوته شيء من الأعمال الصّالحة بالصّيام أصلاً , ولا يفوّت حقّاً من الحقوق التي خوطب بها لَم يبعد أن يكون في حقّه أرجح.

وإلى ذلك أشار ابن خزيمة فترجم " الدّليل على أنّ صيام داود إنّما كان أعدل الصّيام وأحبّه إلى الله , لأنّ فاعله يؤدّي حقّ نفسه وأهله وزائره أيّام فطره بخلاف من يتابع الصّوم " وهذا يشعر بأنّ من لا يتضرّر في نفسه ولا يفوّت حقّاً أن يكون أرجح.

وعلى هذا فيختلف ذلك باختلاف الأشخاص والأحوال:

فمن يقتضي حاله الإكثار من الصّوم أكثر منه، ومن يقتضي حاله الإكثار من الإفطار أكثر منه، ومن يقتضي حاله المزج فعله، حتّى إنّ الشّخص الواحد قد تختلف عليه الأحوال في ذلك، وإلى ذلك أشار الغزاليّ أخيراً. والله أعلم بالصّواب.

وفي قصّة عبد الله بن عمرو هذه من الفوائد.

بيان رفق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأمّته وشفقته عليهم وإرشاده إيّاهم إلى ما يصلحهم وحثّه إيّاهم على ما يطيقون الدّوام عليه، ونهيهم عن التّعمّق في العبادة لِمَا يخشى من إفضائه إلى الملل المفضي إلى التّرك أو ترك البعض، وقد ذمّ الله تعالى قوماً لازموا العبادة ثمّ فرّطوا فيها.

وفيه النّدب إلى الدّوام على ما وظّفه الإنسان على نفسه من العبادة.

<<  <  ج: ص:  >  >>