قال الشارح في " الفتح " (١/ ٢٠١): (تنبيه): لم يذكر الحج في رواية شريك هذه، وقد ذكره مسلم وغيره فقال " وإنَّ علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلا؟ قال: صدق " وأخرجه مسلم أيضاً , وهو في حديث أبي هريرة وابن عباس أيضاً. وأغرب ابن التين فقال: إنما لم يذكره لأنه لم يكن فرض. وكأنَّ الحامل له على ذلك ما جزم به الواقدي ومحمد بن حبيب , أنَّ قدوم ضمام كان سنة خمس فيكون قبل فرض الحج، لكنه غلط من أوجه. أحدها: أن في رواية مسلم , أنَّ قدومه كان بعد نزول النهي في القرآن عن سؤال الرسول، وآية النهي في المائدة ونزولها متأخر جداً. ثانيها: أنَّ إرسال الرسل إلى الدعاء إلى الإسلام إنما كان ابتداؤه بعد الحديبية، ومعظمه بعد فتح مكة. ثالثها: أنَّ في القصة أنَّ قومه أوفدوه، وإنما كان معظم الوفود بعد فتح مكة. رابعها: في حديث ابن عباس , أنَّ قومه أطاعوه ودخلوا في الإسلام بعد رجوعه إليهم، ولم يدخل بنو سعد - وهو ابن بكر بن هوازن - في الإسلام إلاَّ بعد وقعة حنين. وكانت في شوال سنة ثمان. فالصواب أنَّ قدوم ضمام كان في سنة تسع. وبه جزم ابن إسحاق وأبو عبيدة وغيرهما. وغفل البدر الزركشي فقال: إنما لم يذكر الحج لأَنَّه كان معلوماً عندهم في شريعة إبراهيم انتهى. وكأنه لم يراجع صحيح مسلم فضلاً عن غيره. انتهى كلام الشارح. قلت: لعلَّ الزركشي يرى المغايرة بين روايتي البخاري ومسلم , وأنهما قصتان. لتغاير السياق واختلاف السند. فالحديث في صحيح مسلم (١٢) من رواية ثابت عن أنس بن مالك، قال: نهينا أن نسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن شيء، فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله، ونحن نسمع، فجاء رجلٌ من أهل البادية، فقال: يا محمد، أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك، قال: صدق، قال: فمن خلق السماء؟ قال: الله، قال: فمن خلق الأرض؟ قال: الله، قال: فمن نصب هذه الجبال، وجعل فيها ما جعل؟ قال: الله، قال: فبالذي خلق السماء، وخلق الأرض، ونصب هذه الجبال، آلله أرسلك؟ قال: نعم، قال: وزعم رسولك أنَّ علينا خمس صلوات. فذكر الأركان , ثم قال: ثم ولى، قال: والذي بعثك بالحق، لا أزيد عليهن، ولا أنقص منهن، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لئن صدق ليدخلنَّ الجنة. والله تعالى أعلم.