وذكر جابر في حديثه الطّويل في صفتها كما أخرجه مسلم وغيره , أنّ النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - مكث تسع سنين - أي: منذ قدم المدينة - لَم يحجّ، ثمّ أذّن في النّاس في العاشرة أنّ النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - حاجّ، فقدم المدينة بشرٌ كثيرٌ كلّهم يلتمس أن يأتمّ برسول الله - صلى الله عليه وسلم - " الحديث.
ووقع في حديث أبي سعيد الخدريّ ما يوهم أنّه - صلى الله عليه وسلم - حجّ قبل أنّ يهاجر غير حجّة الوداع. ولفظه (١) ..... وعند التّرمذيّ من حديث جابر " حجّ قبل أن يهاجر ثلاث حجج " وعن ابن عبّاس مثله. أخرجه ابن ماجه والحاكم.
قلت: وهو مبنيّ على عدد وفود الأنصار إلى العقبة بمنًى بعد الحجّ، فإنّهم قدموا أوّلاً فتواعدوا، ثمّ قدموا ثانياً فبايعوا البيعة الأولى، ثمّ قدموا ثالثاً فبايعوا البيعة الثّانية، وهذا لا يقتضي نفي الحجّ قبل ذلك.
وقد أخرج الحاكم بسندٍ صحيح إلى الثّوريّ , أنّ النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - حجّ قبل أن يهاجر حججاً.
قلت: بل حجّ قبل أن يهاجر مراراً، بل الذي لا أرتاب فيه أنّه لَم يترك الحجّ وهو بمكّة قطّ، لأنّ قريشاً في الجاهليّة لَم يكونوا يتركون الحجّ، وإنّما يتأخّر منهم عنه من لَم يكن بمكّة أو عاقه ضعف، وإذا كانوا وهم على غير دين يحرصون على إقامة الحجّ , ويرونه من مفاخرهم التي امتازوا بها على غيرهم من العرب , فكيف يظنّ بالنّبيّ