المُهلَّب: معناه أمر بذلك , لأنّه كان ينكر على أنس قوله " أنّه قرن " ويقول: بل كان مفرداً (١).
وأمّا قوله " وبدأ فأهل بالعمرة " فمعناه أمرهم بالتّمتّع وهو أن يهلّوا بالعمرة أوّلاً ويقدّموها قبل الحجّ , قال: ولا بدّ من هذا التّأويل لدفع التّناقض عن ابن عمر.
قلت: لَم يتعيّن هذا التّأويل المتعسّف.
وقد قال ابن المنير في الحاشية: إنّ حمل قوله " تمتّع " على معنى أمر من أبعد التّأويلات والاستشهاد عليه بقوله " رجم " وإنّما أمر بالرّجم. من أوهن الاستشهادات , لأنّ الرّجم من وظيفة الإمام , والذي يتولاه إنّما يتولاه نيابةً عنه , وأمّا أعمال الحجّ من إفرادٍ وقران وتمتّع. فإنّه وظيفة كلّ أحد عن نفسه.
ثمّ أجاز تأويلاً آخر , وهو أنّ الرّاوي عهد أنّ النّاس لا يفعلون إلاَّ كفعله , لا سيّما مع قوله " خذوا عنّي مناسككم " فلمّا تحقّق أنّ النّاس تمتّعوا. ظنّ أنّه عليه الصّلاة والسّلام تمتّع فأطلق ذلك.
قلت: ولَم يتعيّن هذا أيضاً , بل يحتمل أن يكون معنى قوله " تمتّع " محمولاً على مدلوله اللّغويّ وهو الانتفاع بإسقاط عمل العمرة
(١) إنكار ابن عمر على أنس - رضي الله عنهم -. أخرجه مسلم في " الصحيح " (١٢٣٢) عن بكر بن عبد الله عن أنس قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يلبّي بالحج والعمرة جميعاً. قال بكر: فحدَّثت بذلك ابن عمر، فقال: لبَّى بالحج وحده , فلقيتُ أنساً فحدَّثته بقول ابن عمر، فقال أنس: ما تعدُّوننا إلاَّ صبياناً، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: لبيك عمرة وحجاً.