وإلى القول بتحريم الرّجوع في الهبة بعد أن تقبض ذهب جمهور العلماء إلَّا هبة الوالد لولده جمعاً بين هذا الحديث. وحديث النّعمان الآتي.
وقال الطّحاويّ: وقوله: " لا يحل " لا يستلزم التّحريم وهو كقوله: " لا تحل الصّدقة لغنيّ " وإنّما معناه. لا تحل له من حيث تحل لغيره من ذوي الحاجة وأراد بذلك التّغليظ في الكراهة.
قال: وقوله: " كالعائد في قيئه " وإن اقتضى التّحريم لكون القيء حراماً , لكنّ الزّيادة في الرّواية الأخرى. وهي قوله " كالكلب " تدلُّ على عدم التّحريم , لأنّ الكلب غير متعبّدٍ فالقيء ليس حراماً عليه، والمراد التّنزيه عن فعلٍ يشبه فعل الكلب.
وتعقّب: باستبعاد ما تأوّله ومنافرة سياق الأحاديث له , وبأنّ عرف الشّرع في مثل هذه الأشياء المبالغة في الزّجر كقوله: من لعب بالنّردشير فكأنّما غمس يده في لحم خنزير. (١)
قوله:(كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه) هذا التّمثيل وقع في طريق سعيد بن المسيّب عن ابن عباس أيضاً عند مسلم. أخرجه من رواية أبي جعفر - محمّد الباقر - عنه بلفظ " مثل الذي يرجع في صدقته كمثل الكلب يقيء ثمّ يرجع في قيئه فيأكله ".
وله في رواية بكيرٍ عن سعيد " إنّما مثل الذي يتصدّق بصدقةٍ ثمّ
(١) أخرجه مسلم في " الصحيح " (٢٦٦٠) من حديث بريدة - رضي الله عنه -. مرفوعاً.