وقيل: النّهي إنّما يمنع صحّة ما يفيد المنهيّ عنه فائدة، أمّا إذا كان صحّة المنهيّ عنه ضرراً على مرتكبه فلا يمنع صحّته كالطّلاق في زمن الحيض، وصحّة العُمرى ضرر على المُعمِر، فإنّ ملكه يزول بغير عوض؟.
هذا كله إذا حُمل النّهي على التّحريم، فإنْ حُمل على الكراهة أو الإرشاد لَم يحتج إلى ذلك، والقرينة الصّارفة ما ذكر في آخر الحديث من بيان حكمه.
ويصرّح بذلك قوله:" العُمرى جائزة " , وللتّرمذيّ من طريق أبي الزّبير عن جابر رفعه " العُمرى جائزة لأهلها، والرُّقبى جائزة لأهلها " والله أعلم.
قال بعض الحذّاق: إجازة العُمرى والرُّقبى بعيدٌ عن قياس الأصول، ولكنّ الحديث مقدّم، ولو قيل بتحريمهما للنّهي، وصحّتهما للحديث لَم يبعد، وكأنّ النّهي لأمرٍ خارج وهو حفظ الأموال، ولو كان المراد فيهما المنفعة كما قال مالك لَم ينه عنهما.
والظّاهر أنّه ما كان مقصود العرب بهما إلَّا تمليك الرّقبة بالشّرط المذكور، فجاء الشّرع بمراغمتهم فصحّح العقد على نعت الهبة المحمودة، وأبطل الشّرط المضادّ لذلك فإنّه يشبه الرّجوع في الهبة،