للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبهذا التّأويل جزم إمام الحرمين تبعاً لغيره , وقال: إنّ ذلك وقع من أبي هريرة حين كان يلي إمرة المدينة.

وقد وقع عند ابن عبد البرّ من وجهٍ آخر " لأرمينّ بها بين أعينكم وإن كرهتم " وهذا يرجّح التّأويل المتقدّم.

واستدل المُهلَّب من المالكيّة بقول أبي هريرة " ما لي أراكم عنها معرضين " بأنّ العمل كان في ذلك العصر على خلاف ما ذهب إليه أبو هريرة، قال: لأنّه لو كان على الوجوب لَمَا جهل الصّحابة تأويله , ولا أعرضوا عن أبي هريرة حين حدّثهم به، فلولا أنّ الحكم قد تقرّر عندهم بخلافه لَمَا جاز عليهم جهل هذه الفريضة فدلَّ على أنّهم حملوا الأمر في ذلك على الاستحباب. انتهى.

وما أدري من أين له أنّ المعرضين كانوا صحابةً , وأنّهم كانوا عدداً لا يجهل مثلهم الحكم، ولِمَ لا يجوِّز أن يكون الذين خاطبهم أبو هريرة بذلك كانوا غير فقهاء، بل ذلك هو المتعيّن، وإلَّا فلو كانوا صحابةً أو فقهاء ما واجههم بذلك.

وقد قوّى الشّافعيّ في القديم القول بالوجوب: بأنّ عمر قضى به , ولَم يخالفه أحد من أهل عصره فكان اتّفاقاً منهم على ذلك. انتهى.

ودعوى الاتّفاق هنا أولى من دعوى المُهلَّب، لأنّ أكثر أهل عصر عمر كانوا صحابة، وغالب أحكامه منتشرة لطول ولايته، وأبو هريرة إنّما كان يلي إمرة المدينة نيابة عن مروان في بعض الأحيان.

وأشار الشّافعيّ إلى ما أخرجه مالكٌ. ورواه هو عنه بسندٍ صحيحٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>