ويمكن أن يكون مراد البخاريّ هذا بعينه. كأنّه يقول ما وقع من النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - فهو من التّحزّن والتّوجّع وهو مباح، وليس معارضاً لنهيه عن المراثي التي هي ذكر أوصاف الميّت الباعثة على تهييج الحزن وتجديد اللوعة.
وهذا هو المراد بما أخرجه أحمد وابن ماجه وصحَّحه الحاكم من حديث عبد الله بن أبي أوفى قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المراثي , وهو عند ابن أبي شيبة بلفظ: نهانا أن نتراثى.
ولا شكّ أنّ الجامع بين الأمرين التّوجّع والتّحزّن.
قال ابن عبد البرّ: زعم أهل الحديث أنّ قوله: " يرثي إلخ " من كلام الزّهريّ، وقال ابن الجوزيّ وغيره: هو مدرج من قول الزّهريّ.
قلت: وكأنّهم استندوا إلى ما وقع في رواية أبي داود الطّيالسيّ عن إبراهيم بن سعد عن الزّهريّ فإنّه فصّل ذلك، لكن وقع عند البخاري عن موسى بن إسماعيل عن إبراهيم بن سعد في آخره " لكنّ البائس سعد بن خولة، قال سعد: رثى له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلخ " فهذا صريح في وصله فلا ينبغي الجزم بإدراجه.
ووقع في رواية عائشة بنت سعد عن أبيها في البخاري من الزّيادة " ثمّ وضع يده على جبهتي , ثمّ مسح وجهي وبطني , ثمّ قال: اللهمّ اشف سعداً وأتمم له هجرته، قال: فما زلت أجد بردها ".
ولمسلمٍ من طريق حميدٍ بن عبد الرّحمن المذكورة: قلت: فادع الله