الذين خاطبهم أوّلاً بقوله " من استطاع منكم " فالخصاء في قوله " فعليه " ليست لغائب وإنّما هي للحاضر المبهم، إذ لا يصحّ خطابه بالكاف، ونظير هذا قوله (كتب عليكم القصاص في القتلى - إلى أن قال - فمن عفي له من أخيه شيء) ومثله لو قلت لاثنين من قام منكما فله درهم فالهاء للمبهم من المخاطبين لا لغائبٍ. انتهى ملخّصاً.
وقد استحسنه القرطبيّ. وهو حسن بالغ.
وقد تفطّن له الطّيبيّ , فقال: قال أبو عبيد: قوله " فعليه بالصّوم " إغراء غائب، ولا تكاد العرب تغري إلَّا الشّاهد تقول: عليك زيداً. ولا تقول: عليه زيداً إلَّا في هذا الحديث.
قال: وجوابه أنّه لَمَّا كان الضّمير الغائب راجعاً إلى لفظة " من " وهي عبارة عن المخاطبين في قوله " يا معشر الشّباب " وبيان لقوله " منكم " جاز قوله " عليه " لأنّه بمنزلة الخطاب.
وقد أجاب بعضهم: بأنّ إيراد هذا اللفظ في مثال إغراء الغائب هو باعتبار اللفظ، وجواب عياض باعتبار المعنى، وأكثر كلام العرب اعتبار اللفظ.
كذا قال، والحقّ مع عياض، فإنّ الألفاظ توابع للمعاني، ولا معنى لاعتبار اللفظ مجرّداً هنا.
قوله:(بالصّوم) عدل عن قوله فعليه بالجوع وقلة ما يثير الشّهوة ويستدعي طغيان الماء من الطّعام والشّراب إلى ذكر الصّوم , إذ ما جاء لتحصيل عبادة هي برأسها مطلوبة.