قلت: الثّاني هو المعتمد، فإنّ الحديثين مختلفان في القصّة والسّبب والرّاوي، وإنّما يأتي ما قال إذا اتّحد ذلك.
وقد وقع عند أحمد من وجهٍ آخر عن عائشة: يحرم من الرّضاع ما يحرم من النّسب من خال أو عمّ أو أخ.
قال القرطبيّ: في الحديث دلالة على أنّ الرّضاع ينشر الحرمة بين الرّضيع والمرضعة وزوجها، يعني الذي وقع الإرضاع بين ولده منها أو السّيّد، فتحرم على الصّبيّ لأنّها تصير أمّه، وأمّها لأنّها جدّته فصاعداً، وأختها لأنّها خالته، وبنتها لأنّها أخته، وبنت بنتها فنازلاً لأنّها بنت أخته، وبنت صاحب اللبن لأنّها أخته، وبنت بنته فنازلاً لأنّها بنت أخته، وأمّه فصاعداً لأنّها جدّته، وأخته لأنّها عمّته. ولا يتعدّى التّحريم إلى أحد من قرابة الرّضيع، فليست أخته من الرّضاعة أختاً لأخيه ولا بنتاً لأبيه إذ لا رضاع بينهم.
والحكمة في ذلك أنّ سبب التّحريم ما ينفصل من أجزاء المرأة وزوجها وهو اللبن، فإذا اغتذى به الرّضيع صار جزءاً من أجزائهما فانتشر التّحريم بينهم، بخلاف قرابات الرّضيع لأنّه ليس بينهم وبين المرضعة ولا زوجها نسبٌ ولا سبب، والله أعلم.