للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستدل به على ذمّ السّجع في الكلام، ومحلّ الكراهة إذا كان ظاهر التّكلف، وكذا لو كان منسجماً , لكنّه في إبطال حقّ أو تحقيق باطل، فأمّا لو كان منسجماً - وهو في حقّ أو مباح - فلا كراهة.

بل ربّما كان في بعضه ما يستحبّ مثل أن يكون فيه إذعان مخالف للطّاعة كما وقع لمثل القاضي الفاضل (١) في بعض رسائله , أو إقلاع عن معصية كما وقع لمثل أبي الفرج بن الجوزيّ في بعض مواعظه.

وعلى هذا يُحمل ما جاء عن النّبيّ - صلى الله عليه وسلم -. وكذا عن غيره من السّلف الصّالح.

والذي يظهر لي أنّ الذي جاء من ذلك عن النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - لَم يكن عن قصد إلى التّسجيع , وإنّما جاء اتّفاقاً لعظم بلاغته، وأمّا مَن بَعْده فقد يكون كذلك , وقد يكون عن قصد وهو الغالب، ومراتبهم في ذلك متفاوتة جدّاً.

والحاصل أنّه إن جمعَ الأمرين من التّكلف وإبطال الحقّ كان


(١) عبد الرحيم بن علي بن السعيد اللخمي، المعروف بالقاضي الفاضل: وزير، من أئمة الكتّاب. ولد بعسقلان (بفلسطين) سنة ٥٢٩ هـ وانتقل إلى الإسكندرية، ثم إلى القاهرة وتوفي فيها سنة ٥٩٦ هـ. كان من وزراء السلطان صلاح الدين، ومن مقرّبيه، ولم يخدم بعده أحداً. وكان سريع الخاطر في الإنشاء، كثير الرسائل، قيل: لو جُمعت رسائله وتعليقاته لم تقصر عن مئة مجلد، وهو مجيد في أكثرها. الأعلام للزركلي (٣: ٣٤٦).
قال الذهبي في السير (١٥/ ٤٤٢): انتهت إلى القاضي الفاضل براعة الترسل وبلاغة الإنشاء، وله في ذلك الفنّ اليد البيضاء، والمعاني المبتكرة، والباع الأطول، لا يدرك شأوه، ولا يشق غباره، مع الكثرة. انتهى

<<  <  ج: ص:  >  >>