للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والأرواث كلّها من مأكول اللحم وغيره.

واحتجّ ابن المنذر لقوله , بأنّ الأشياء على الطّهارة حتّى تثبت النّجاسة.

قال: ومن زعم أنّ هذا خاصٌّ بأولئك الأقوام لَم يصب , الخصائص لا تثبت إلَّا بدليلٍ.

قال: وفي ترك أهل العلم بيع النّاس أبعار الغنم في أسواقهم , واستعمال أبوال الإبل في أدويتهم قديماً وحديثاً من غير نكير , دليل على طهارتها.

قلت: وهو استدلالٌ ضعيفٌ؛ لأنّ المختلف فيه لا يجب إنكاره. فلا يدل ترك إنكاره على جوازه فضلاً عن طهارته.

وقد دلَّ على نجاسة الأبوال كلّها حديث أبي هريرة الذي صحّحه ابن خزيمة وغيره مرفوعاً بلفظ: استنزهوا من البول , فإنّ عامّة عذاب القبر منه.

لأنّه ظاهرٌ في تناول جميع الأبوال (١) فيجب اجتنابها لهذا الوعيد.


(١) قال الشيخ ابن باز (١/ ٤٣٨): هذا ليس بجيد , والصواب طهارة أبوال الإبل ونحوها مما يؤكل لحمه كما في حديث العرنيين و " ال " في قوله - صلى الله عليه وسلم -: استنزهوا من البول. للعهد. والمعهود بينهم بول الناس كما قاله البخاري , وكما يدلُّ عليه حديث القبرين وأثر وأبي موسى المذكور " انتهى كلام ابن باز.
قلت: أثر أبي موسى ذكره البخاري معلَّقاً بلفظ " وصلَّى أبو موسى في دار البريد. والسرقين والبرية إلى جنبه، فقال: هاهنا وثَمَّ سواء "
قال ابن حجر في " الفتح " (١/ ٤٣٧): وصله أبو نعيم شيخ البخاري في " كتاب الصلاة " له قال: حدثنا الأعمش عن مالك بن الحارث - هو السلمي الكوفي - عن أبيه , قال: صلَّى بنا أبو موسى في دار البريد , وهناك سرقين الدواب والبرية على الباب , فقالوا: لو صليت على الباب. فذكره , والسرقين: بكسر المهملة وإسكان الراء. هو الزبل , وحكى فيه ابن سيدة: فتح أوله. وهو فارسي معرب , ويقال: له السرجين بالجيم , وهو في الأصل حرف بين القاف والجيم يقرب من الكاف.
والبرية: الصحراء منسوبة إلى البر , ودار البريد المذكورة موضع , قوله " سواء " يريد أنهما متساويان في صحة الصلاة.
وتعقب: بأنه ليس فيه دليل على طهارة أرواث الدواب عند أبي موسى , لأنه يمكن أن يُصلِّي فيها على ثوب يبسطه.
وأجيب: بأنَّ الأصل عدمه , وقد رواه سفيان الثوري في " جامعه " عن الأعمش بسنده. ولفظه " صلَّى بنا أبو موسى على مكان فيه سرقين " وهذا ظاهر في أنه بغير حائل.
وقد روى سعيد بن منصور عن سعيد بن المسيب وغيره , أنَّ الصلاة على الطنفسة مُحدَث. وإسناده صحيح
والأولى أن يقال: إن هذا من فعل أبي موسى , وقد خالفه غيره من الصحابة كابن عمر وغيره فلا يكون حجة , أو لعلَّ أبا موسى كان لا يرى الطهارة شرطاً في صحة الصلاة , بل يراها واجبة برأسها , وهو مذهب مشهور.
ومثله في قصة الصحابي الذي صلَّى بعد أنْ جُرح , وظهر عليه الدم الكثير , فلا يكون فيه حجة على أنَّ الروث طاهر , كما أنه لا حجة في ذاك على أنَّ الدم طاهر.
وقياس غير المأكول على المأكول غير واضح , لأنَّ الفرق بينهما متجه لو ثبت أنَّ روث المأكول طاهر , والتمسُّك بعموم حديث أبي هريرة الذي صححه ابن خزيمة وغيره مرفوعاً بلفظ " استنزهوا من البول. فإنَّ عامة عذاب القبر منه " أولى , لأنَّه ظاهر في تناول جميع الابوال. فيجب اجتنابها لهذا الوعيد. والله أعلم

<<  <  ج: ص:  >  >>