قلت: أثر أبي موسى ذكره البخاري معلَّقاً بلفظ " وصلَّى أبو موسى في دار البريد. والسرقين والبرية إلى جنبه، فقال: هاهنا وثَمَّ سواء " قال ابن حجر في " الفتح " (١/ ٤٣٧): وصله أبو نعيم شيخ البخاري في " كتاب الصلاة " له قال: حدثنا الأعمش عن مالك بن الحارث - هو السلمي الكوفي - عن أبيه , قال: صلَّى بنا أبو موسى في دار البريد , وهناك سرقين الدواب والبرية على الباب , فقالوا: لو صليت على الباب. فذكره , والسرقين: بكسر المهملة وإسكان الراء. هو الزبل , وحكى فيه ابن سيدة: فتح أوله. وهو فارسي معرب , ويقال: له السرجين بالجيم , وهو في الأصل حرف بين القاف والجيم يقرب من الكاف. والبرية: الصحراء منسوبة إلى البر , ودار البريد المذكورة موضع , قوله " سواء " يريد أنهما متساويان في صحة الصلاة. وتعقب: بأنه ليس فيه دليل على طهارة أرواث الدواب عند أبي موسى , لأنه يمكن أن يُصلِّي فيها على ثوب يبسطه. وأجيب: بأنَّ الأصل عدمه , وقد رواه سفيان الثوري في " جامعه " عن الأعمش بسنده. ولفظه " صلَّى بنا أبو موسى على مكان فيه سرقين " وهذا ظاهر في أنه بغير حائل. وقد روى سعيد بن منصور عن سعيد بن المسيب وغيره , أنَّ الصلاة على الطنفسة مُحدَث. وإسناده صحيح والأولى أن يقال: إن هذا من فعل أبي موسى , وقد خالفه غيره من الصحابة كابن عمر وغيره فلا يكون حجة , أو لعلَّ أبا موسى كان لا يرى الطهارة شرطاً في صحة الصلاة , بل يراها واجبة برأسها , وهو مذهب مشهور. ومثله في قصة الصحابي الذي صلَّى بعد أنْ جُرح , وظهر عليه الدم الكثير , فلا يكون فيه حجة على أنَّ الروث طاهر , كما أنه لا حجة في ذاك على أنَّ الدم طاهر. وقياس غير المأكول على المأكول غير واضح , لأنَّ الفرق بينهما متجه لو ثبت أنَّ روث المأكول طاهر , والتمسُّك بعموم حديث أبي هريرة الذي صححه ابن خزيمة وغيره مرفوعاً بلفظ " استنزهوا من البول. فإنَّ عامة عذاب القبر منه " أولى , لأنَّه ظاهر في تناول جميع الابوال. فيجب اجتنابها لهذا الوعيد. والله أعلم