للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال النّوويّ: معنى الحديث أنّ إيجاب الغسل لا يتوقّف على الإنزال.

وتعقّب: بأنّه يحتمل أن يراد بالجهد الإنزال؛ لأنّه هو الغاية في الأمر فلا يكون فيه دليل.

والجواب: أنّ التّصريح بعدم التّوقّف على الإنزال , قد ورد في بعض طرق الحديث المذكور فانتفى الاحتمال , ففي رواية مسلمٍ من طريق مطر الورّاق عن الحسن في آخر هذا الحديث " وإن لَم ينزل ".

ووقع ذلك في رواية قتادة أيضاً رواه ابن أبي خيثمة في " تاريخه " عن عفّان , قال: حدّثنا همّام وأبان. قالا: حدّثنا قتادة به , وزاد في آخره " أنزل أو لَم ينزل " , وكذا رواه الدّارقطنيّ. وصحَّحه من طريق عليّ بن سهل عن عفّان، وكذا ذكرها أبو داود الطّيالسيّ عن حمّاد بن سلمة عن قتادة.

وقد ذهب الجمهور إلى أنَّ ما دلَّ عليه ما رواه البخاري عن زيد بن خالد الجهني , أنه سأل عثمان بن عفان فقال: أرأيتَ إذا جامع الرجل امرأته فلم يُمْنِ؟ قال عثمان: يتوضأ كما يتوضأ للصلاة , ويغسل ذكره. قال عثمان: سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (١)


(١) أخرجه البخاري (٢٨٨) ومسلم (٣٤٧) من طريق يحيى عن أبي سلمة عن عطاء بن يسار عن زيد بن خالد. وزادا. واللفظ للبخاري: فسألتُ عن ذلك علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وأبي بن كعب - رضي الله عنهم - فأمروه بذلك. قال يحيى: وأخبرني أبو سلمة، أن عروة بن الزبير أخبره , أن أبا أيوب أخبره أنه سمع ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وللبخاري (٢٨٩) عن أُبي بن كعب، أنه قال: يا رسول الله. إذا جامع الرجل المرأة فلم ينزل؟ قال: يغسل ما مس المرأة منه، ثم يتوضأ ويصلي.
قال ابن حجر في " الفتح " (١/ ٤٥٩): قول أبي أيوب: (أنه سمع ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) قال الدارقطني: هو وهم؛ لأن أبا أيوب إنما سمعه من أُبي بن كعب كما قال هشام بن عروة عن أبيه.
قلت: الظاهر أنَّ أبا أيوب سمعه منهما لاختلاف السياق؛ لأنَّ في روايته عن أُبي بن كعب قصة ليست في روايته عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أنَّ أبا سلمة - وهو ابن عبد الرحمن بن عوف - أكبر قدراً وسناً وعلماً من هشام بن عروة. وروايته عن عروة من باب رواية الأقران؛ لأنهما تابعيان فقيهان من طبقة واحدة , وكذلك رواية أبي أيوب عن أبي بن كعب؛ لأنهما فقيهان صحابيان كبيران , وقد جاء هذا الحديث من وجه آخر عن أبي أيوب عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه الدارمي وابن ماجه.
وقد حكى الأثرم عن أحمد: أنَّ حديث زيد بن خالد المذكور في هذا الباب معلولٌ؛ لأنه ثبت عن هؤلاء الخمسة الفتوى بخلاف ما في هذا الحديث , وقد حكى يعقوب بن شيبة عن علي بن المديني , أنه شاذ.
والجواب عن ذلك: أن الحديث ثابت من جهة اتصال إسناده وحفظ رواته , وقد روى ابن عيينة أيضاً عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار نحو رواية أبي سلمة عن عطاء. أخرجه ابن أبي شيبة وغيره. فليس هو فرداً.
وأما كونهم أفتوا بخلافه فلا يقدح ذلك في صحته لاحتمال أنه ثبت عندهم ناسخه فذهبوا إليه , وكم من حديث منسوخ وهو صحيح من حيث الصناعة الحديثية. انتهى

<<  <  ج: ص:  >  >>