والاستدلال بهذا للحلِّ إنّما يتمّ فيما لَم يأت فيه نصٌّ عن النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - بتحريمه، وقد تواردت الأخبار بذلك , والتّنصيص على التّحريم مقدّم على عموم التّحليل وعلى القياس.
وعن ابن عبّاس , أنّه توقّف في النّهي عن الحمر: هل كان لمعنىً خاصّ، أو للتّأييد؟. ففي البخاري عن الشّعبيّ عنه , أنّه قال: لا أدري أَنَهى عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أجل أنّه كان حمولة النّاس فكره أن تذهب حمولتهم، أو حرّمها البتّة يوم خيبر؟.
وهذا التّردّد أصحّ من الخبر الذي جاء عنه بالجزم بالعلة المذكورة.
وكذا فيما أخرجه الطّبرانيّ وابن ماجه من طريق شقيق بن سلمة عن ابن عبّاس قال: إنّما حرّم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحمر الأهليّة مخافة قلّة الظّهر. وسنده ضعيف.
وفي البخاري في حديث ابن أبي أوفى (١) قال: فتحدّثنا أنّه إنّما نهى عنها لأنّها لَم تخمّس , وقال بعضهم: نَهى عنها لأنّها كانت تأكل العذرة.
قلت: وقد أزال هذه الاحتمالاتِ من كونها لَم تخمّس , أو كانت جلالة , أو كانت انتُهبت , حديثُ أنس في الصحيحين , أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاءه جاءٍ، فقال: أُكلت الحمر، ثمّ جاءه جاءٍ، فقال: أُكلت الحمر، ثمّ جاءه جاءٍ، فقال: أُفنيت الحمر، فأمر منادياً فنادى في النّاس: إنّ الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهليّة، فإنّها
(١) هذه إحدى روايات حديث ابن أبي أوفي - رضي الله عنه - الآتي بعد هذا الحديث من العمدة.