وقد كنت أميل إلى ذلك إلى أن رأيت الحديث في صحيح ابن خزيمة من طريقين آخرين عن عائشة، وفي بعض ألفاظه ما يبعد وقوع الوهم فيه. وهو قوله " إذا أذّن عمرو - فإنّه ضرير البصر - فلا يغرّنّكم، وإذا أذّن بلالٌ فلا يطعمنّ أحدٌ " وأخرجه أحمد.
وجاء عن عائشة أيضاً , أنّها كانت تنكر حديث ابن عمر , وتقول: إنّه غلطٌ، أخرج ذلك البيهقيّ من طريق الدّراورديّ عن هشامٍ عن أبيه عنها. فذكر الحديث. وزاد " قالت عائشة: وكان بلال يبصر الفجر. قال: وكانت عائشة تقول: غلط ابن عمر. انتهى.
وقد جمع ابن خزيمة والضّبعيّ بين الحديثين بما حاصله:
أنّه يحتمل: أن يكون الأذان كان نوباً بين بلال وابن أمّ مكتوم، فكان النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - يعلم النّاس أنّ أذان الأوّل منهما لا يحرّم على الصّائم شيئاً , ولا يدلّ على دخول وقت الصّلاة بخلاف الثّاني. وجزم ابن حبّان بذلك , ولَم يبده احتمالاً، وأنكر ذلك عليه الضّياء وغيره.
وقيل: لَم يكن نوباً، وإنّما كانت لهما حالتان مختلفتان: فإنّ بلالاً كان في أوّل ما شرع الأذان يؤذّن وحده , ولا يؤذّن للصّبح حتّى يطلع الفجر، وعلى ذلك تحمل رواية عروة عن امرأة من بني النّجّار. قالت: كان بلال يجلس على بيتي - وهو أعلى بيتٍ في المدينة - فإذا رأى الفجر تمطّأ ثمّ أذّن. أخرجه أبو داود وإسناده حسن.
ورواية حميدٍ عن أنس , أنّ سائلاً سأل عن وقت الصّلاة، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالاً فأذّن حين طلع الفجر. الحديث. أخرجه النّسائيّ