وهو تمثيل حسنٌ جداً , فإنَّ السهام يُطلب في تسويتها التحذير وحسن الاستقامة , كيلا يطيش عند الرمي , فلا يصيب الغرض. فشبَّه تسوية الصفوف بها. فالمعنى كان يبالغ في تسويتها. حتى يصير كأنما يقوم بها السهام لشدة استوائها واعتدالها. وإنما قال القِداح ولم يقل القِدح لأجل مقابلة الصفوف , وقد كان بعض أئمة السلف يوكّلون رجالاً يسوّون الصفوف. قوله: (حتى رأى أن قد عقلنا) أي: فهمنا ما أَمرَنا به من التسوية , وكأنه - صلى الله عليه وسلم - راقبهم في التسوية حتى ظهر له فهمهم المقصود منها وامتثالهم له. وهذه الرؤية رؤية بصر , لأن فهمهم ليس مما يدرك بحاسة البصر. وفيه جواز كلام الإمام بعد الإقامة وقبل الإحرام , وهو مذهبنا ومذهب الجمهور للحاجة , سواء كان الكلام لمصلحة الصلاة أو لَم يكن. ومنعه أبو حنيفة , وقال: يكبر الإمام إذا قال المؤذن " قد قامت الصلاة ". والحديث حجة عليه , نعم. إذا كان لا مصلحة أصلاً يكون مكروهاً. وقال اللخمي من أصحاب مالك: إذا طال الكلام أعاد الإقامة. وفيه كراهة التقدّم على المأمومين في الصف سواء كان التقدم بقدمه أو بمنكبه أو بجميع بدنه , فإنه إذا كان - صلى الله عليه وسلم - منع بادي الصدر الذي لا يظهر فيه كبير مخالفة في التسوية وهدّد من فعله , فما ظنك بغيره من البدن والقدم والمنكب؟!. انتهى كلامه.