قوله تعالى:} وأنهار من عسلٍ مصفى {[محمد: ١٥] العسل معروف وهو ما يمجه هذا الطير المعروف الذي ألهمه الله تعالى ذلك. يقال إنه يمتص الندى الذي ينزل من السماء ثم يمجه من فيه لا من دبره، والشمع الذي فيه ليس من بطنه وإنما هو حده في رجليه ويبنى به بيوتًا مسدسًة يكون فيها العسل. حدثنا بذلك جماعة ممن يربون النحل ويسافرون به برًا وبحرًا. فسبحان من أعطى كل شيءٍ خلقه ثم هدى. ولما ذكرنا من كون النحل - يمج مجًا لا أنه يرونه من دبره، قال ابن الرومي منبهًا في ذلك:[من البسيط]
١٠٢٧ - في زخرف القول تزيين لباطله ... والحق قد يعتريه سوء تغيير
تقول: هذا مجاج النحل تمدحه ... وإن ذممت فقل قيء الزنابير
والجمع أعسال. وقال بعض أهل اللغة: العسل لعاب النحل وهو موافق لما ذكرناه وقوله عليه الصلاة والسلام: "لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك" كنى عن لذة الجماع وحلاوته بذلك. ويقال: كانوا في حمله وسده وعسله. والمراد الكناية عن طيب ما كانوا وإن لم يكن ثم شيء مما ذكر، وإنما أنث؛ قيل: لأنه أراد النطفة فأنث الكناية لأن المكنى عنه مؤنث. قيل: العسل يذكر ويؤنث، فمن أنثه يقول: العسل شريتها وشربتها وقال: عسيلة. وقيل: لأنه أراد قطعًة من العسل وإذا فعلوا ذلك فيما لا يتفاضل قطعًا نحو قوله: الثدية وذو الثدية يريدون قطعًة من الثدي، فإن يفعلوا ذلك فيما يتفاضل أولى والعسلان والسيلان: ضرب من السير، وأصله من عسلان الرمح: وهو اهتزاز كعوبه واضطرابها. وأكثر ما يستعمل العسلان في الذئب قال الشاعر:[من الكامل]
١٠٢٨ - لدن بهز الكف يعسل متنه ... فيه، كما عسل الطريق الثعلب