أصوات الطير ما تقول، وإن لم تنطق بنطق البشر. فسمى أصوات الطير نطقًا، اعتبارًا بفهمه عنها؛ فمن فهم من شيءٍ فهو ناطق بالنسبة إليه، وإن كان صامتًا بالنسبة إلى غيره. والنطق في العرف العام: الأصوات المقطعة التي يظهرها اللسان وتعيها الآذان. ولا يكاد يقال إلا للإنسان، ولا يقال لغيره إلا على سبيل التبع، نحو الناطق والصامت. فيراد بالناطق ما له صوت، وبالصامت ما لا صوت له. ولا يقال للحيوان ناطق إلا مقيدًا، أو على سبيل التشبيه، كقول الشاعر:[من الطويل]
١٦٦٥ - عجبت لها أنى يكون غناؤها ... فصيحًا ولم تفغر بمنطقها فما
قال الهروي: فأما معنى قول جرير: [من الطويل]
١٦٦٦ - لقد نطق اليوم الحمام ليطربا ... وعنى طلاب الغانيات وشيبا
فإن الحمام لا نطق له، وإن هو صوت رجلٍ ناطقٍ بمصوتٍ، وليس كل مصوتٍ ناطقًا. ولا يقال للصوت نطق حتى يكون هناك صوت وحروف تعرف بها المعاني. وإنما استخار الشاعر أن يقول: لقد نطق الحمام، لأنه لمّا شوقه إلى إلفه عرف ما أراد على سبيل التجوز.
وقال الراغب الأصبهاني: والمنطقيون يسمون القوة التي منها النطق نطقًا، وإياها عنوا حيث حدوا الإنسان بالحيوان الناطق المائت. فانطق لفظ مشترك عندهم بين القوة الإنسانية التي يكون بها الكلام وبين الكلام المبرز بالصوت.
وقد يقال الناطق لما يدل على شيءٍ، وعلى هذا قيل لحكيمٍ: ما الصامت الناطق؟ فقال: الدلائل المخبرة والعبر الواعظة. قوله:{لقد علمت ما هؤلاء ينطقون}[الأنبياء: ٦٥] إشارة إلى أنهم ليسوا من الناطقين ذوي العقول. قوله:{قالوا: أنطقنا الله الذي أنطق كل شيءٍ}[فصلت: ٢١] قيل: أراد به الاعتبار. قال الهروي: معلوم أن الأشياء كلها ليست تنطق إلا من حيث العبرة. ثم قال: وقد قيل: إن ذلك يكون بالصوت المسموع. وقيل: يكون الاعتبار، والله أعلم، بما يكون في النشأة الآخرة. قوله: {هذا