قوله تعالى:{فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم}[هود: ٧٠] يقال: نكرت الشيء وأنكرته، فأنا ناكرٌ منكرٌ، وهو منكورٌ ومنكرٌ. والإنكار ضد العرفان. قال الراغب: وأصله أن يرد على القلب ما لا يتصوره، وذلك ضربٌ من الجهل. قال تعالى:{فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم}{فعرفهم وهم له منكرون}[يوسف: ٥٨]. قلت: وتلاوة الآية بعد هذا القول لا تليق أن تكون مثالًا له، لأن الأنبياء لا توصف بالجهل البتة، وإنما قصد تلاوة الآية لتضمنها لفظ المادة فقط. قال: ويستعمل ذلك منكرًا باللسان وسبب الإنكار باللسان كالإنكار بالقلب، لكن ربما ينكر اللسان الشيء وصورته في القلب حاصلةٌ، ويكون ذلك كاذبًا. قال: وعلى هذا: {يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها}[النحل: ٨٣] قال: والمنكر كل شيءٍ تحكم العقول الصحيحة بقبحه، أو تتوقف على استقباحه العقول، وتحكم بقبحه الشريعة. وإلى هذا قصد بقوله:{الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر}[التوبة: ١١٢].
وتنكير الشيء من حيث المعنى جعله بحيث لا يعرف. قال تعالى:{نكروا لها عرشها}[النمل: ٤٦] وتعريفه: جعله بحيث يعرف، واستعمال ذلك في عبارة النحويين هو أن يجعل الاسم على صيغةٍ مخصوصةٍ. انتهى.
قلت: يعني التعريف عند النحويين كذا، وأراد بالصيغة إطلاقه على ذات مخصوصةٍ. والنكرة عندهم ما وقع شائعًا في جنسه كرجلٍ. والمعروف ما وقع خاصًا. وإنما قلنا:«ما وضع» ليدخل نحو شمسٍ وقمرٍ في النكرات، ونحو زيدٍ وعمرٍو في المعارف كما حققناه في غيره هذا. وقال مجاهد في قوله:«نكروا لها عرشها» أي غيروه أتعرفه أم لا؟ ومعنى قولهم: أنكرت على فلانٍ، أي فعلت به فعلًا يردعه. قوله تعالى:{فكيف كان نكير}[الحج: ٤٤] نكيرٌ مصدر بمعنى الإنكار كالنذير.
قوله:{وما لكم من نكير}[الشورى: ٤٧] أي لا تقدرون على أن تنكروا