[مريم: ٨]، وقوله:{إما يبلغن عندك الكبر}[الإسراء: ٢٣] مثل قولهم: أدركني الجهد، وإن شئت: أدركت الجهد، ولا يجوز أن يقال ذلك في زمانٍ ولا مكانٍ، فلا يقال: أدركني مكان كذا، ولا بلغني مكان كذا.
ويقال: بلغته الخبر وأبلغته إياه. وقد قرئ} أبلغكم {و} أبلغكم {[الأعراف: ٦٢] بالتخفيف والتثقيل. قال الراغب: وبلغه أكثر، يعني: من أبلغه.
والبلاغة في الكلام التي هي أخت الفصاحة، يوصف بها المتكلم والكلام، ولا توصف بها الكلمة. والفصاحة يوصف بها الثلاثة، وهي في الكلام عبارة عن مطابقةٍ لمقتضى الحال مع كونه فصيحًا، وفي المتكلم عن ملكةٍ يقتدر بها على تأليف كلامٍ بليغٍ، هذا حدها في اصطلاح البيانيين.
وقال الراغب: والبلاغة تكون على وجهين: أحدهما أن يكون بذاته بليغًا، وذلك بأن يجمع ثلاثة أوصافٍ: أن يكون صوابًا مع موضوع لغته، وطبقًا للمعنى المقصود به، وصدقًا في نفسه. ومتى انخرم وصف من ذلك كان ناقصًا في البلاغة. والثاني: أن يكون بليغًا باعتبار القائل والمقول له، وهو أن يقصد القائل به أمرًا ما فيورده على وجهٍ حقيقٍ أن يقبله المقول له.
وقوله:} وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغًا {[النساء: ٦٣] يصح حمله على المعنيين. وقول من قال: معناه قل لهم: إن أظهرتم ما في أنفسكم قتلتم، وقول من قال: خوفهم بمكاره تنزل بهم، فإشارة إلى بعض ما يقتضيه عموم اللفظ.
والبلغة: ما يتبلغ به من العيش. والمبالغة: الاجتهاد في الأمر، يقال: بالغ في أمره، وهو ما تقدم، فإنه بلوغ نهاية الأمد في الاجتهاد. وفي الحديث: "كل رافعةٍ رفعت عنا